الوظيفة الجماهيرية للمسرح
لؤي محمد لؤي محمد

الوظيفة الجماهيرية للمسرح

للمسرح وظيفة جماهيرية رئيسية بالإضافة إلى وظيفته الفنية المسرحية، فهو يؤدي دور الاجتماع الجماهيري أو دور المنبر الشعبي لمخاطبة وعي الناس. وقد صاغ عدد من الفنانين المسرحيين هذا الدور من جربتهم التي أضافوها إلى المسرح عموماً حول العالم.

فقائمة المسرحيين الطليعيين طويلة، والكثير من دروسهم ما زالت قابلة للحياة حتى اليوم، وتنتظر من يطور صياغة المسرح المعاصر بالاستناد إلى ما وصل إليه ممثلو الحركة المسرحية في العالم.

محكومون بالتغيير والانتصار

صاغ كل من فواز الساجر وسعدالله ونوس دور المسرح المطلوب في بلادنا في القرن الماضي، رافضين الاستسلام لليأس في زمن اليأس.
يقول فواز الساجر عن دور المسرح في التغيير الاجتماعي: «أنا أفهم المسرح كمسرح يغير ولا يتغير، أنا أرفض المسرح الذي يقدم قيماً أخلاقية ثابتة من منظور تبريدي، المسرح المطلوب في وطننا، هو: المسرح الذي يؤكد قيماً اجتماعية وأفكاراً جديدة تدفع بوعي الناس إلى الأمام».
وقال المسرحي سعدالله ونوس في رسالة يوم المسرح العالمي عام 1996: «إننا محكومون بالأمل وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ». جاءت هذه الرسالة في مرحلة من اليأس والتراجع، وقرأت في مختلف المسارح بعدة لغات. وبعد سنوات، طورت الحياة ما قاله سعدالله ونوس لتظهر مقولة: محكومون بالانتصار. وسقطت نظرية نهاية التاريخ أمام حرارة انفتاح الأفق التاريخي للناس.

المسرح الفقير

المسرح الفقير، من أشكال المسرح المعاصر، يعرف عالمياً باسم ديفاولو الفقير أو المسرح الفقير.
اعتمد هذا الشكل من المسرح على الاستغناء على ديكورات المسرح المختلفة، ويعمل فقط بالاعتماد على النص والأداء والمسرحي. وقال فيصل الراشد: «أنا من مؤسسي المسرح الفقير في سورية. وأنا مقتنع به، لأن المسرح يبدأ ممثلاً ونصاً وينتهي ممثلاً ونصاً. وليس لضعف الإمكانات، فالفخامة والديكورات تكبل روح الممثل وتكبل روح العطاء في المسرح». أي يجب أن يكون المسرح متحركاً قادراً على العرض في أي مكان لتحويل المسرح إلى مسرح شعبي يخاطب الناس والفئات الشعبية المختلفة. وسبق ذلك تأسيس مسرح الشوارع في مدينة الحسكة خلال سبعينات القرن الماضي، حيث عرضت المسرحيات القصيرة في الأسواق والأحياء الشعبية.

المسرح الشعبي

نشأت في الهند تجارب مسرحية ربطت بين المسرح كفن وبين النشاط السياسي. حيث أسس سافدار هاشمي «جبهة المسرح الشعبي»
كان سافدار هاشمي قائداً لامعاً للمسرح السياسي وخاصة مسرح الشارع. ولعب دوراً مهماً في الحركة الشعبية كاتباً ومخرجاً مسرحياً ومغنّياً وكاتباً للأطفال. ولاقت نصوصه شعبية كبيرة في الهند. وكان هاشمي يعتبر أن نشاطه المسرحي وعضويته في الحزب الشيوعي لا ينفصلان. ومن أبرز مآثره تنظيم الاجتماعات الجماهيرية من خلال جبهة المسرح الشعبي في الشوارع سنوات 1984-1989.
دفع سافدار هاشمي حياته من أجل جبهة المسرح الشعبي، ومن أجل الحزب الشيوعي الهندي الماركسي، وأصبح اسم سافدار هاشمي مرادفاً لمسرح الشارع والحركة الثقافية التقدمية في الهند.

مسرح بريخت

تعرض برتولد بريخت للملاحقة الفاشية عام 1941، وذهب إلى أمريكا، وهناك لم يكن راضياً عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية، فتعرض للمحاكمة في واشنطن عام 1947 بتهمة القيام بنشاطات غير أمريكية. وفي عام 1948 لم تسمح له ألمانيا الغربية بدخول أراضيها، فذهب إلى ألمانيا الشرقية، وأدار مسرح برلين الشرقية، وحصل على جائزة ستالين للسلام. وبقي يعمل في المسرح حتى وفاته عام 1956.
يعتبر برتولد بريخت من أشهر كتاب المسرح العالمي في القرن العشرين. وصاغ دوراً للمسرح مستنداً على الفكرة التالية: المشاهد هو العنصر الأهم في تكوين العمل المسرحي. لأن المسرحية كتبت من أجل المشاهد ويجب أن تثير لديه التأمل والتفكير في الواقع. لذلك يجب هدم الجدار الرابع الوهمي بين المسرح والمشاهد، ليصبح الأخير مشاركاً في العمل المسرحي.
كانت حياة بريخت السياسية مسرحاً مباشراً للمواجهة مع خصومه: الفاشية والإمبريالية، واعتبر بريخت أن المسرح أداة للتسلية والتحريض معاً. وأعطى أهمية للمسرح التعليمي.
جاء في إحدى مسرحياته التحريضية التي حملت عنوان «جان دارك قديسة المسالخ»: أنتم أيها الفقراء، جيش جرار في هذا العالم، أنتم الذين تصغون إلينا، لا تنظروا إلى الغد، منذ الغد بادروا إلى معونة القريب، إلى الأمام، اهجموا، احملوا بنادقكم. وهنا نموذج واضح لرسالة برتولد بريخت المسرحية إلى الناس.

المسرح المعاصر

ستطرح الحياة سؤالاً مهماً حول دور المسرح المعاصر في القرن الواحد والعشرين، كيف يجب أن يكون؟ وما هي رسالته؟ وما هو دور المسرح في دفع الحركة الثقافية والجماهيرية إلى الأمام؟
سيأخذ المسرح المعاصر كل ما هو قابل للحياة في المسرح القديم، ويستند إلى ذلك القديم لصياغة المسرح الجديد الذي لا بد أن تبلوره الحياة المعاصرة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1087
آخر تعديل على الإثنين, 12 أيلول/سبتمبر 2022 12:41