هناك وقت للغد..
حسين خضّور حسين خضّور

هناك وقت للغد..

بسرعة تحرّكَ إلى متجر الأغذية لشراء ما يحتاجه لوجبة العشاء، فليس هناك متسع من الوقت بعد مناوبة عمله في المستودع العملاق لشركة «أمازون».

أثناء الانتظار في قسم المحاسبة، توقف نظره على قسيمة شراء من «أمازون»، أمسكها، وبعد النظر إلى سعرها الذي يساوي أجره عن نصف شهر عمل في الشركة ذاتها، قرأ ما كان مكتوباً على الجانب الخلفي منها:
«Der Gutscheine betrgt 10 Jahre ab kauf»
«القسيمة صالحة لمدة 10 سنوات من تاريخ الشراء»
كان ذلك قبل عام تقريباً، ومنذ ذلك الوقت كادت تلك الجملة أن تصل بدرجة استفزازها إلى كابوس يلاحقه في أحلامه، وما فعله ليتجنب ذلك كان التفكير العميق ضمن وتيرة بطيئة، إلى أن وصل إلى اليوم، وقرر الكتابة عنها، والتواصل معكم.
ما هي المضامين والأشكال المتداخلة التي تحملها هذه الجملة الواحدة؟
يمكننا الاستنتاج، أن شركة «أمازون» تنظر لنفسها بأنها باقية الوجود حتمياً في السوق لمدة 10 سنوات، وذلك يدل على مضمون أن الشركة لا تملك فقط بيدها المكان المادي لوجودها وحسب، وإنما تملك بيدها الأخرى الزمن. ومن هذه النقطة بالذات علينا أن نضع على الهامش مثال شركة «أمازون»، ونذهب معاً للتفكير بموضوعة (ملكية الزمن).

«ملكية الزمن»

ربما ما يميز الرأسمالية الاحتكارية عن الإقطاعية، والعبودية هو حاجتها القصوى في تطويرها لأدوات تستطيع من خلالها التحكم بالزمن، إلى أن تصل لطموحها الجامح لملكيته.
إذا قلنا جدلاً: إن القلة القليلة ملكت الزمن، هل يعني هذا أن المستقبل أصبح ملكيتهم؟ بحكم أن حركة الزمن مطلقة نحو الأمام! وهل يمكننا أن نطرح تفسيراً لمقولتهم «نهاية التاريخ» ضمن هذا الإطار، من حيث إنهم اعتبروا بملكيتهم للمستقبل أنهم دفنوا التاريخ؛ وثبّتوا الحاضر إلى الأبد.
وبما أننا في البداية فكرنا جدلاً؛ إذاً لا بد من أن يكون لهذا الطرح نقيضه، ومن هنا يمكننا إعادة النظر ضمن هذا الإطار في مقولة سعد الله ونوس في يوم المسرح العالمي من عام 1996:
«إننا محكومون بالأمل وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ»
إذاً أين هي الحقيقة ضمن هذين الطرحين النقيضين، ربما يسألنا البعض؟
«ليست هناك حقيقة مجردة، فالحقيقة دائماً ملموسة» هكذا أكد لينين مراراً وتكراراً، ومن هنا يمكننا إعادة النظر بمقولة سعد الله ونوس، على أنها ليست مقولة مجردة، وإنما هي ملموسة، بسبب صعود الحراك الشعبي العالمي في مطلع الألفية الثالثة، والذي تكثف بشكل خاص في منطقتنا منذ بداية العقد الماضي. وقد يقول البعض: ولكن عن أي حراك تتحدثون؟ إنه بركان وانفجر! ولكن ورغم أنه من الصحيح في حال نظرنا إلى الواقع بحركته، أنّ «بركاناً انفجر»، وأنه يبدو بنظر السائحين بركاناً خامداً في الوقت الحالي، إلا أنهم لا يشعرون بأن هذا البركان يحمل في داخله شعوباً حارة كالجمرة.
يبدو أنه وفق المنعطف الكبير الحالي من تاريخ البشرية، قد تم إعادة طرح سؤال الفلسفة الأساسي في النظرة إلى العالم: «المادة أولاً أم الوعي»، ولكن بطريقة جديدة تعبر عما يجري اليوم، فأصبح السؤال الأساسي: «الثورة أمامنا أم خلفنا»، وبالتالي، من يجيب على أن الثورة أمامنا هم الواقعيون، ومن يذهب بالقول: إن الثورة خلفنا هم المثاليون. وعلى ذلك يمكننا القول كواقعيين يرون الواقع بحركته: الثورة أمامنا، وإذا كان الانفجار الأول قد أطلق العنان للحركة الشعبية، فإن مصلحة الحركة تقتضي تنظيم تجدداتها القادمة.
والزمن لا يمكن إعادته للوراء، ولكن يمكن التحكم بمساره نحو الأمام؛ وعلى ذلك نستطيع طرح تقدير بأن المسألة الكبرى في عصرنا هي:
«مسألة ملكية الزمن»، فإذا كان الشعار الأساسي لتحرر الفلاحين من الإقطاعية بقولهم: «الأرض لمن يعملون بها»، فيبدو أن الشعار الأساسي لتحرر الأكثرية الساحقة من الرأسمالية الاحتكارية: «الوقت لمن يعملون به»، بما يعنيه ويتضمنه من تحرير الأرض واستعادة ملكيتها لأصحابها أيضاً (فالزمان كما نعلم لا ينفصل عن المكان ومادتهما)، وكأن الشعارَين صرخة واحدة قديمة في مضمونها كعبد يتحرر من السيد، وجديدة في شكلها ككادحٍ يتحرر من الاحتكاري الأكبر.

28.04.2022

معلومات إضافية

العدد رقم:
1068
آخر تعديل على الإثنين, 09 أيار 2022 12:17