من أدوات الفاشية الثقافية

من أدوات الفاشية الثقافية

لا يمكن الحديث عن حياة الثقافة في ظل النازية الجديدة، لأن العدو الأكبر للفكر والثقافة البشرية يستيقظ ليقبض على الفكر والعقل كما يقبض على الاقتصاد والحياة والإنسان. والقضية هنا ليست عند منع أعمال دوستويفسكي أو حظر وسائل الإعلام واللغة الروسية فقط. بل إن البشرية تواجه اليوم أخطر عملية تجهيل على المستوى العالمي، وأخطر حرب كبرى ضد الثقافة والمعرفة.

تشويه ذاكرة الناس

يحطم الفاشيون ذاكرة الناس، ويشنون حرباً شرسة ضد الرموز الشعبية والاجتماعية والوطنية التي تحظى باحترام الجماهير. مثل تحطيم تماثيل إبراهيم هنانو وأبي العلاء المعري ومحمد الفراتي، وتحطيم آلاف التماثيل التي تعود إلى المرحلة السوفييتية في أوكرانيا. وكذلك تخريب المدن والمواقع الأثرية على نطاق واسع في العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003 وتحويل أفغانستان إلى أكبر مستنقع مخدرات في العالم مع تحطيم ذاكرة الشعب الأفغاني مثل تحطيم التماثيل البوذية مع التجهيل والإفقار الواسع للناس.
وهنا تؤدي الليبرالية الجديدة وبعدها الفاشية الجديدة مهمة القطع والفصل بين الناس والذاكرة الشعبية. فمن قال في المرحلة الأولى يجب ترك التراث والاتجاه نحو التغريب، أو من قال عكس ذلك، غرق في المرحلة الثانية في العدمية الفاشية.

الحرب الإعلامية

وفي ظل الفاشية، يؤدي «التغريب الليبرالي» مستوى أعلى من الوظائف الإجرامية لإيصال البشرية إلى حافة العدمية والاغتراب الشامل على مختلف الجوانب، ومنها الجانب الثقافي الذي يشهد حرباً شاملة.
وهذه الحرب ساحاتها واسعة، من كثافة المسلسلات والأفلام السينمائية ذات الطابع الفاشي، إلى الهيمنة على الجامعات، وصولاً إلى الحرب الإعلامية الكثيفة.
والحرب الإعلامية الفاشية لها أدوات عديدة أهمها:
السخرية من الشعوب في السينما والإعلام والتعليم. ومن أكبر ضحايا هذا الهجوم الشعب الفلسطيني والشعب السوري والشعب الروسي وشعوب أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وآسيا.
السخرية من الشخصيات والأحزاب والمفكرين الذين يحمل تراثهم أو عملهم بديلاً حقيقياً. وعلى رأسهم العلماء والمفكرون والفلاسفة. وذلك بطريقة الفكاهة التافهة. بالإضافة إلى شيطنة المفكرين والفلاسفة والعلماء والأحزاب.
البث الواسع لمواد التزوير والافتراء وتحريف الوقائع، بحيث يبدو من يقول الحقيقة أمام هذا السيل الهائل مضحكاً جداً ولا يصدقه أحد. ومبتكر هذا الإسلوب هو آلين داليس مهندس الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي وضد ستالين.
عمليات غسيل الدماغ الواسعة التي تهدف إلى إنشاء أجيال شابة تافهة مبدؤها في الحياة الولاء لعالم الفساد الشامل والجريمة المنظمة والمخدرات والسلاح والدعارة والإتجار بالبشر. وتهدف أيضاً إلى تحويل الشعوب إلى كتل بشرية مقسمة يمكن التحكم بها والسيطرة عليها عبر أدوات الهيمنة على المجتمع. وصولاً بالتالي إلى الإنسان المطيع والخاضع والسلبي والمحايد، وسهولة استخدام هذا الإنسان في المشروع الفاشي. وهي برامج من اختراع المخابرات الأمريكية منذ خمسينات القرن الماضي. وتجري على نطاق واسع في السينما والإعلام.

الكتب والمدارس

تجري عملية تجهيل شاملة في ظل الفاشية «الجزار المدلل للرأسمالية»، وتغرق الطبقة العاملة وغالبية أبناء الشعب في الجهل المدروس بدقة.
فمن جهة تصبح الكتب غالية الثمن، ولا قدرة للطبقة العاملة على شراء الكتب في هذه الظروف. وهذا يجري حول العالم بتسارع كبير في هذه اللحظة.
أما المدارس، فتتحول في ظل الفاشية من مراكز لتربية وتعليم أبناء الشعب إلى مصانع لتصدير الجنود والمقاتلين الذين سيصبحون وقوداً للمشروع الفاشي في تدمير القوى المنتجة. وذلك في عملية تعليمية مستمرة من المدرسة إلى الجامعة حتى الوصول إلى لحظة الحريق الفاشي الكبير. وتصبح القوى المدرسية كلها لإذكاء نار التوحش الشامل وتأليه أدوات الفاشية.
كما تغلق الفاشية المدارس وتحولها إلى سجون، وتسود ثقافة تعليمية رسمية فاشية عنوانها الاضطهاد والتجهيل والقتل والدمار.

محاربة الحريات والفكر والعلم

في عالم اليوم، تتنكر الرأسمالية لتقاليدها الليبرالية، وتستبدلها بتقاليد فاشية نازية جديدة، بل إن الأول قد أدى إلى الثاني. وفي هذه الظروف، تصبح الرقابة على الفكر والثقافة والتعليم رقابة شاملة.
وانكشفت أكاذيب حرية الصحافة والإعلام، لتنقلب إلى ديكتاتورية على الفكر والإعلام. وعلى العلم والأدب. فالعلم الرسمي المهيمن على جامعات العالم في خدمة الفاشية الجديدة. والعلم الحقيقي مهمش ومحارب، ويكاد صوته لا يسمع في الجامعات. أما الأدب في انحطاط شامل. بل تجري محاولة لإلغاء الأدب نفسه مثلما جرى مع أعمال دوستويفسكي في إيطاليا. كذلك الحملة التي لم تتوقف ضد ستالين حتى اليوم، كي لا تستفيد شعوب العالم من المنصة المعرفية التي انتصرت على الفاشية القديمة. وهنا تسقط مفاهيم حرية الفكر والصحافة وحرية الإعلام ومفاهيم الرأي والرأي الآخر ليحل محلها شي آخر متوحش: حرية البندقية، حرية القنبلة، حرية الجريمة، حرية المخدرات، حرية الإبادة الشاملة.
فكما أنكر موسوليني والفاشيون الإيطاليون في الأمس أعمال دانتي ومايكل أنجلو ورافايل وغيرهم من رموز الثقافة الإيطالية، يتنكر فاشيو اليوم لأعمال دوستويفسكي وعلى يد الجامعات الرسمية. ويجري إنكار العلوم الحقيقية على نطاق واسع. مثل الحملة الكبرى ضد لقاحات كورونا على وسائل الإعلام الغربية. وفوق ذلك كله، يجري تزوير هائل لتاريخ شعوب العالم، ومحاولة إعادة كتابته بما يخدم مصالح الفاشية الجديدة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1062