عندما صنع الإيطاليون رسوماً هزلية للأطفال
لعقود من الزمان، كان لدى إيطاليا أكبر حزب شيوعي في الغرب. وكانت الرسوم الهزلية جزءاً أساسياً من اتصالات الحزب بالجماهير الإيطالية لمقاومة الهيمنة اليمينية للكهنة والفاشيين.
دوريات الأطفال
لطالما كانت دوريات الأطفال أداة للدعاية الوطنية، ليس أقلها أثناء الاشتباكات الكبرى في القرن العشرين. في دراسته عام 1976، وثّق كلاوديو كارابا كيف كانت إحدى الدوريات البرجوازية المخصصة للأطفال تستخدم من قبل الطبقات الحاكمة الليبرالية ثم النظام الفاشي لمخاطبة الأطفال. ومع ذلك، أهتمت الأحزاب اليسارية بهذا الجانب أيضاً، مثل مجلة الرسوم الهزلية «Pioniere» التي حررت رسومها من وحي الأفكار الشيوعية في الخمسينات من قبل دينا رينالدي وجياني روداري.
بدأ تاريخ الدوريات التقدمية للأطفال قبل ذلك بكثير. في وقت مبكر من عام 1907، عندما نشرت انتقادات للتعليم الإلزامي كأداة برجوازية للهيمنة الثقافية التي تفرض على الطبقات الشعبية نشر قيم الطاعة واحترام السلطة القائمة.
وبدأت دوريات الأطفال الخاصة بالرسوم الهزلية تظهر في إيطاليا، مثل أسبوعية «إل جيرموجليو_ الشتلة» التي تأسست نهاية الحرب العالمية الأولى لتكون حلقة وصل بين الأطفال واتحاد الشباب الاشتراكي الإيطالي الذي سعى إلى تعزيز «تكوين الوعي الاشتراكي» من خلال الرسوم الهزلية. ومع تعقّد الوضع الإيطالي عام 1921 الذي تميز بالإضرابات العمّالية واحتلال المصانع، ثم ظهور المنظمات الفاشية، بدأت مرحلة جديدة لدوريات الأطفال.
الصحافة الشيوعية للأطفال
شكّل الاستيلاء الفاشي الزاحف عاملاً حاسماً للظهور الأول لصحافة الأطفال الشيوعية الإيطالية. حيث أصدر الشيوعيون «الفتى البروليتاري» عام 1922 من أجل جمع التبرعات للأطفال السوفييت. وقد لقيت الدورية الجديدة استقبالاً إيجابياً قبل أندية الأطفال التابعة للحزب الشيوعي.
وكان هذا العمل يهدف إلى مقاومة حشو رؤوس الأطفال بالأفكار المسبقة السائدة، وانتقاد التعليم البرجوازي، مع تقديم عروض وشروح للظواهر الاجتماعية عن طريق الرسوم الهزلية، ومواجهة الهيمنة الفاشية. وعندما أغلق الفاشيون مجلات الأطفال، أصدر اتحاد الشباب الشيوعي صحيفة سرية مخصصة للأطفال ومناهضة للفاشية عام 1927، حملت أيضاً اسم «الفتى البروليتاري». وترأس تحريرها غاستوني سوزي. وظهر على الغلاف فتى أحمر يضع منديلاً أحمر. وحملت الصحيفة شعار «صحيفة أطفال العمال والفلاحين».
صنعت الصحيفة شخصياتها وأبطالها الخياليين، وهم كومونيلو وبروليتينو الذين يناضلون ضد التعجرف الفاشي على عالم الأطفال. ونشرت أخبار روسيا السوفييتية. وسخرت علناً من موسوليني وزمرته الفاشية. وكانت معاداة الرأسمالية والفاشية موضوعين سائدين في الرسوم الهزلية. بالإضافة إلى التحريض السياسي والاقتصادي.
كانت الدورية توزع في المصانع الرئيسية في إيطاليا من خلال الشبكة السرية للحزب، وحققت انتشاراً واسعاً. وشرعت الشرطة الفاشية على الفور في القضاء على هذه الأداة الخطيرة للدعاية في مهدها. حيث ألقي القبض على المحررين عام 1927. ولكنها استأنفت الصدور عام 1929 على يد محررين آخرين. وصدرت نشرات مشابهة سنوات الثلاثينات رغم صعوبة إنتاج المواد المطبوعة في ظل العمل السري. وكانت هذه المطبوعات تحتوي على الرسوم الكاريكاتورية التي تحمل عناوين «الأطفال يريدون الخبز أو رأس موسوليني» وكان أبطال هذه النشرات كل من بروليتينو وكومونيلو.
أوضحت هذه النشرات كيف يذهب أطفال العمال إلى المدارس بدون أحذية، بينما يذهب أبناء الرأسماليين في السيارات. كما فضحت دور الإدارة في المدارس في تخريب عقول الأطفال بالرعب والخداع. وقاد بروليتينو وكومونيلو مظاهرات الأطفال في الشوارع تضامناً مع روسيا السوفييتية. ويهتف الأطفال: الخبز والعمل ... الموت لموسوليني. هذه هي مواضيع الرسوم الهزلية الشيوعية في إيطاليا.
وبعد سقوط النظام الفاشي عام 1945. صعدت مطبوعات الرسوم الهزلية للأطفال في إيطاليا بشكل عام. وفي الفترات اللاحقة، عمدت السلطات الإيطالية إلى نشر عدد كبير من الدوريات المخصصة للأطفال، والتي تنشر الثقافة الاجتماعية الأمريكية، في حين واصل الشيوعيون إصدار مطبوعات الرسوم الهزلية للأطفال سنوات الخمسينات والستينات لمقاومة تأثير رجال الدين والثقافة الأمريكية على الأطفال وموجهة حملة مناهضة الشيوعية في إيطاليا.
خلال سنوات الحرب الباردة، كان هناك صراع بين الحزب الشيوعي والحزب المسيحي الديمقراطي في هذا المجال. حيث واصل الحزب الشيوعي إصدار دورية القصص المصورة «Pioniere» حتى السبعينات لمواجهة الهيمنة البرجوازية في التعليم وقيم الثقافة الأمريكية. كما أصدر الديمقراطيون المسيحيون مطبوعاتهم الخاصة الموجهة للأطفال لمناهضة الشيوعية. وكانت المدراس ومناهج التعليم إحدى أدوات الصراع.
وفضحت القصص الشيوعية الهزلية المصورة الحرب والعنف والوحشية والرأسمالية عبر شخصياتها المشهورة بين أطفال إيطاليا مثل بروليتينو وأتومينو وتشيودينو وسيبولينو وغيره. كما وقف نواب الحزب الشيوعي في البرلمان ضد تغلغل الرسوم الأمريكية السلبية بين الأطفال. وكان الشريط الهزلي أداة التحريض الأساسية لمخاطبة الأطفال.
صدرت هذه المطبوعات بشكل دوري حتى عام 1966، ثم بدأت مرحلة التراجع. حيث توقفت هذه المطبوعات عن الصدور عام 1970. وبدأت مرحلة سيادة الثقافة الأمريكية الاستهلاكية العنفية ومطبوعتها. وانتهت بذلك حقبة غزيرة من الإنتاج والنشر التي حاول فيها الحزب الشيوعي إيجاد بدائل تربوية للأطفال.
*جوري ميدا: أستاذ تاريخ التعليم في جامعة ماتشيراتا الإيطالية، قسم التعليم والتراث الثقافي والسياحة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1045