بريد دمشق.. ذكرى أيقوناتنا
لأن عدّاد الموتى الجدد لا يتوقّف عن الدوران، لم يلتفت أحد إلى الذكرى الثامنة لرحيل أيقونتين سوريتين، هما محمد الماغوط (1934ــ 2006)، وعبد السلام العجيلي (1918ــ 2006). رحل الأول في 3 نيسان (أبريل)، والثاني في الخامس منه، كما عبرت تسعينية حنا مينه بصمت.
لا نظن أنّ الماغوط سيضيف شيئاً جديداً إلى مدوّنته عما يحدث في بلاده. كتب باكراً هذيانه في الجحيم والسخط والحرية، وأعلن النفير منذ أن كتب أول قصيدة في ديوانه «حزن في ضوء القمر» (1959)، إلى آخر استغاثة أطلقها في «البدوي الأحمر» (2006). على الأرجح، فإنه سيكرر مرّة أخرى قوله «محاصر بين تيار العولمة، وتيار الأصولية، فكيف أوفّق بين الاثنتين، هل أصلّي على الإنترنت؟»، و«إذا لم نستطع تدريب إنسان عربي واحد على صعود الباص من الخلف والنزول من الأمام، فكيف نبغي تدريبه على الثورة؟»، و«أنا لا أؤمن بالثورة التي تريق الدم.ولا بالرصاص. أنا شاعر وأكره الدم»، و«الطغاة كالأرقام القياسية، لا بد وأن تتحطم في يوم من الأيام».
من جهته، سيجد عبد السلام العجيلي نفسه غريباً عن الفرات الذي عرفه، ذلك أنّ مدينة «الرقة المحرّرة» ترزح اليوم تحت وطأة فتاوى الغرباء والتكفيريين واللصوص، تجللها الرايات السود، والمحرمات، ولن يتاح له أن يستعيد ميثيولوجياه البدوية في حكايات جديدة عن «المغمورون»، و«أرض السيّاد»، و«قلوب على الأسلاك». سينصت إلى أصوات الرصاص وحفلات جزّ الأعناق في الساحات، ونهب الآثار، بدلاً من أوجاع مرضاه في عيادته الريفية، ثم يمضي وحيداً إلى قبره.
وحده حنا مينه غاب عن الساحة. لم تحتفل وزارة الثقافة بتسعينية صاحب «الياطر». هاتف منزله في برزة لا يجيب. لا أحد يعلم مكانه على وجه التحديد، هناك من يؤكد بأنه يقطن غرفة في فندق «الكازينو» تطل على ميناء اللاذقية، ربما كي يستعيد حيوات شخصياته الروائية. ألم يقل يوماً «إن البحر كان دائماً مصدر إلهامي، حتى إن معظم أعمالي مبللة بمياه موجه الصاخب، لحمي سمك البحر، دمي ماؤه المالح، أما العواصف فقد نُقشت وشماً على جلدي، إذا نادوا: يا بحر أجبت أنا! البحر أنا، فيه وُلدت، وفيه أرغب أن أموت».
المصدر: الأخبار