شعر يمور بالشذا
غياث رمزي الجرف غياث رمزي الجرف

شعر يمور بالشذا

إشراق روحي صوفي تقطع فيه الروح صلتها بالجسد، وتفنى في الحب فناء مطلقاً يقترن بالعشق الإلهي والذات العلية... وانفعال عاطفي حار نابض بالمشاعر النورانية.. وخلجات نفسية عميقة.. وخيال رحب المدى طليق حر..

ومستوى من التعبير الشعري الرفيع المدهش.. وذاتية متوهجة تقدس الفردية المبدعة التي تغرد خارج السرب وتمجد ألمها وحزنها تمجيداً خاصاً.. وتسمو بحبها وتتحد بالكون والطبيعة والمحبوب في وحدة حلولية لا انفصام فيها.. في فضاء هذا الملكوت يطير الشاعر بدوي الجبل منفرداً، ويحلق منفرداً، ويسمو مؤتلقاً، ويحيا مخلداً.. فالمحب العاشق في رؤية شاعرنا له دنيا ذاتية يختص بها ويتميز فيها عن غيره، هذه الدنيا هي دنيا الحب التي تترفع عن كل مادي محسوس من الحياة. والعاشق المدنف دائماً وأبداً قلب متأجج بنار العشق ولهيب الهوى.. وحب الحبيبة سر مكتوم من الأسرار المحيرة يفيض على القلب بعطره الهائم، وأعظم الحب ما امتلك النفس المرهفة وكان خفياً غامضاً... في عينيها الساحرتين زرقة سماوات نقية ينبعث فيها نور أشقر صافٍ كأنه شعاع متلألئ، وحين تديم النظر بعينيها المتألقتين يستقي النجم ضياء تلك النظرة ويتمايل نشوة وطرباً... ها هو ذا المحب يسكب دمع عينيه ونور مقليته لتغتسل أحلام الحبيبة الجميلة من ماء العبرات الندية.. وهو يرتقي عن أن يمس جمالها بشكوى من بعد أو هجر.. إكراماً لحسنها، ولرفعة روحه وعزتها وكبريائها.. وإلى ذلك يبقي معاناة عشقية صعبة، قاسية، مؤلمة.. وحزناً خاصاً متفرداً مشعاً لم يعشه محب قبله، ولم يعرفه عاشق غيره... ولعل قصيدته «الحب والله» من القصائد العربية السامية التي استجابت على نحو غنائي وجداني بديع للهب الإنسان العاشق، والتي اتحد فيها البيان العربي الخلاب بالروح الشعرية المجددة الخلاقة...

 

 

 

 

تأنق الروح يرضي بلبلاً غرداً

 

من جنة الله، قلبانا جناحاه

الخالقان وفوق العقل سرهما

 

كلاهما للغيوب: الحب واللهُ

كلاهما انسكبت فيه سرائرنا

 

وما شهدناه لكنا عبدناه

لم تعرف الحور أشهى من سلافتنا

 

رف الهجير ندىً لما سقيناه

تقسم الناس دنياهم وفتنتها

 

وقد تفرد من يهوى بدنياه

غمرتِ قلبي بأسرار معطرة

 

والحب أملكه للروح أخفاه

في مقلتيك سماوات يهدهدها

 

من أشقر النور أصفاه وأحلاه

ورنوة لك راح النجم يرشفها

 

حتى ترنح سكر في محياه

من كان يسكب عينيه ونورهما

 

لتستحم رؤاك الشقر لولاه

سَمَا بحسنكِ عن شكواه تكرمة

 

وراح يسمو عن الدنيا بشكواه

يريد بِدْعاً من الأحزان مؤتلقاً

 

ومن شقاء الهوى يختار أقساه

أنت السراب، عذاب وقده وردىً

 

وتؤنس العين أفياء وأمواه..

 

 

 

 

 

 

 

 

لم أعد أذكر من قال: إن بدوي الجبل الشاعر يصدر عنه الشعر كما يصدر العطر عن الورد... ولكنني أذكر نزار قباني وكلماته: بدوي الجبل السيف اليماني الوحيد المعلق على جدار الشعر العربي، في حنجرته ألف لبيد، وألف شريف رضي، وألف أبي تمام... لا تستطيع إلا أن ترفع قبعتك وتنحني باحترام أمام عبقريته...