قصة من التاريخ: مانديلا في أمريكا
في صيف عام 1990، سافر نيلسون مانديلا بجولة في الولايات المتحدة لجمع التبرعات من أجل النضال ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا «الأبارتيد». وسلطت رحلته الضوء على الروابط التاريخية والأممية التي تجمع بين النضال من أجل الحرية في جنوب إفريقيا، وحركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة.
النضال الواحد
أيّد مارتن لوثر كينغ جونيور نداء العمل ضد الفصل العنصري في عام 1962، وفي عام 1965، احتج أعضاء لجنة التنسيق الطلابية في مانهاتن، داعين إلى إنهاء المساعدات لجنوب إفريقيا. وفي أواخر السبعينات، أصبح النضال ضد الفصل العنصري قضية وطنية لأول مرة.
لكن حتى الثمانينات، عارض الرئيس رونالد ريغان فرض العقوبات، بحجة أنه يجب على واشنطن مواصلة العمل مع حكومة الفصل العنصري، الحليف القوي للولايات المتحدة في الحرب الباردة. لكنه كان يحمي نظاماً يحتضر.
هوس مانديلا
أصابت الولايات المتحدة عاصفة عرفت باسم «هوس مانديلا» كان ظاهرها ظاهرياً لجمع الأموال للمؤتمر الوطني الإفريقي (ANC). وربطت جولة نيلسون مانديلا في ثماني مدن في الولايات المتحدة النضال من أجل الديمقراطية في جنوب إفريقيا مع نضال من أجل حرية السود في الولايات المتحدة، كما كشفت الجولة عن استمرار السياسة اليمينية المناهضة للشيوعية.
خرج مئات الآلاف في مواكب شعبية لرؤية القائد نيلسون مانديلا. ولطالما كانت محاربة الفصل العنصري مصدر اهتمام لناشطي الحقوق المدنية الأمريكيين. وبحلول عام 1990، عشية زيارة مانديلا، كان الدعم الشعبي واضحاً إلى جانب الحركة المناهضة للفصل العنصري.
كانت العديد من محطات توقفه في مدن ذات تعداد سكاني كبير، مع روابط تاريخية حاسمة مع حركة الحقوق المدنية. كانت محطته الأولى مدينة نيويورك. وعندما فاز ديفيد دينكينز بسباق العمدة في العام السابق، ليصبح أول زعيم أمريكي من أصل إفريقي في المدينة، وجاء انتخابه لتهدئة عقد من التوترات الاجتماعية والعنصرية في جميع أنحاء المدينة.
قتل مايكل غريفيث في عام 1986 في هوارد بيتش، وحدث جدل كبير حول قضية «سنترال بارك فايف» في عام 1989، وقتل يوسف هوكينز في العام نفسه، وساهم كل ذلك في صب الزيت على نار العنصرية في مدينة نيويورك. في هذه الفترة، وصل مانديلا، الذي حصل على موكب استقبال هائل عندما دخل المدينة في 20 حزيران1990.
تحولت زيارة مانديلا إلى منطقة هارلم «لقبت بـ هارلم الحمراء في الخمسينات» إلى حركة للنضال من أجل مطالب الحي العمالي الفقير، ولطالما كان مركز حياة الأمريكيين من أصل إفريقي، ولكن بحلول عام 1990 غرق الحي في أزمة اجتماعية واقتصادية صعبة. على حد تعبير صحيفة نيويورك تايمز، فكانت زيارة مانديلا إلى هارلم بمثابة «جرعة من الفخر والإلهام» للمجتمع المحاصر.
بين عمال ديترويت
سار هذا التضامن الكفاحي كالنار بين الجماهير. حيث أشاد مانديلا بقادة حركة الحقوق المدنية، وبعد أن أصبحوا على دراية بمحاكمات ومحن الحركة أثناء وجودهم في سجون جنوب إفريقيا. كان لقاؤه مع روزا باركس في ديترويت - عندما اندفع مانديلا، متحمساً للقاء أيقونة الحقوق المدنية، وهي تخرج من الطائرة وصاح: روزا! روزا! روزا! في رمزية من الترابط الكفاحي الروابط. إذ شارك عمال ديترويت الأمريكيون في النضال ضد نظام الفصل العنصري في السبعينات بنشاط.
وأثناء زيارته لمدينة السيارات، أشاد مانديلا بالحركة العمالية التاريخية في المدينة، وحصل على بطاقة عضوية من اتحاد عمال السيارات، وهو مؤيد قوي لحركة الحقوق المدنية. ويعرف تاريخ ديترويت التي كانت مقراً لرابطة العمال السود الثوريين، والنقابات العمالية التي تقف في الصف الأول للمعارك الطبقية.
في أتلانتا
في وقت لاحق من جولته، زار مانديلا مدينة أتلانتا، واجتمع مع كوريتا سكوت كينغ، بالإضافة إلى القادة السياسيين الأمريكيين من أصل إفريقي في المدينة. وضع إكليلاً من الزهور على قبر مارتن لوثر كينغ جونيور، وتحدث في كلية مورهاوس، وهي كلية سوداء تاريخياً.
وعلى الرغم من الترحيب الحار الذي تلقاه مانديلا في العديد من الأوساط، فإن المحافظين الأمريكيين وقفوا ضد إطلاق الحملة على الفصل العنصري واحتقروا زعيم جنوب إفريقيا.
قال مانديلا، مدافعاً عن تكتيكات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي: إن اللاعنف سياسة جيدة عندما تسمح الظروف بذلك، ولكن قد تكون هناك حالات لا تسمح فيها الظروف بذلك. كما وقفت كوريتا سكوت كينغ، من بين آخرين، إلى جانب مانديلا، وأصرت على أن الحركة بحاجة إلى إبقاء خياراتها مفتوحة. فتوجس القادة الأمريكيون خوفاً من انفجار الشارع الأمريكي الخارج من إضرابات العمال والطلاب الكبرى عام 1989.
صديق كاسترو وفلسطين
في ميامي، تحدث القادة الكوبيون الأمريكيون ضد صداقة مانديلا مع فيدل كاسترو. مرة أخرى، وقف مانديلا وأشار إلى أن كاسترو كان واحداً من عدد قليل من القادة الأجانب الذين قدموا دعماً ثابتاً لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي أثناء وقت حاجتهم، ويساهم في الكفاح ضد حكومة جنوب إفريقيا.
كما رفض مانديلاً التخلي عن دعمه لنضال الشعب الفلسطيني، الشعب الذي طالما تضامن مع جنوب إفريقيا، مصراً على مواقفه الأممية، مشيداً بأصدقاء زمن الشدائد في جميع أنجاء العالم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 974