رحيل محمد جسوس «سقراط السوسيولوجيا العربية»
فقدت الأوساط الثقافية والفكرية بالمغرب يوم الجمعة الأخير واحداً من كبار مثقفيها الذين استطاعوا المزج بين العمل الفكري والنشاط السياسي، وإن كان البعض يرى أن السياسة قد سرقت من وقت الرجل وجهده. محمد جسوس رائد السوسيولوجيا بالمغرب وأحد القياديين في حزب الاتحاد الاشتراكي، على يده تخرجت أسماء كثيرة تشتغل في الحقل السوسيولوجي، واستفادت من جهده النظري سواء ما كان يضمّنه في الدرس الجامعي أو ما كان ينشره عبر عدد من كتبه التي تعتبر هنا مرجعاً أساسياً في علم الاجتماع: رهانات الفكر السوسيولوجي بالمغرب، طروحات حول المسألة الاجتماعية، طروحات حول الثقافة والتربية والتعليم، طبيعة ومآل المجتمع المغربي المعاصر.
أصدقاؤه والمقربون منه ينعتونه بـ"سقراط السوسيولوجيا العربية"، لأنه كان ميالاًً إلى الجانب الشفهي، لذلك لم يترك الكثير من الكتب، ولم يدوّن الكثير من أفكاره، بل كان يكتفي بتداولها مع طلبته وجلسائه.
ولد محمد جسوس سنة 1938 في مدينة فاس العاصمة العلمية للمغرب، درس علم الاجتماع في جامعة لافال بكندا، وحصل منها على شهادة المتريز، ثم حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأميركية سنة 1968، وفي العام التالي التحق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس في الرباط واشتغل بها إلى حين تقاعده سنة 2004. وكانت أولى الدروس التي قدمها الرجل بالجامعة المغربية أواخر الستينيات تتمحور حول "الطبقات الاجتماعية"، وهي الدروس التي لم تكن لتبقى حبيسة الفصل الدراسي، بل كان لها امتداد في الشارع العام وفي الحياة السياسية بالمغرب التي كان جسوس وعلى مدار عقود واحداً من رموزها، الرمز الذي لا يسعى إلى شغل منصب ما، بقدر سعيه إلى أن يكون للفعل السياسي إطار ومرجعية ومنظومة فكرية تجعل منه بالأساس عملا إنسانيا يحافظ على المعنى الأصيل لكلمة "نضال". فقد سبق له أن صرح قبل عقدين من الزمن في برنامج تلفزيوني أنه دخل إلى السياسة لاعتبارت أخلاقية وفكرية، مؤكداً أن ما يشغله ليس هو المكاسب السياسية، بل المساهمة في إصلاح وتغيير المجتمع.
في الفترة الأخيرة أقيمت بعدد من المدن لقاءات تكريمية للرجل الذي يحظى بتقدير كل الأجيال، من بين هذه اللقاءات الندوة التي أقيمت الصيف الماضي بالرباط والتي شارك فيه فيها عدد من المثقفين من بينهم محمد الأشعري الذي وصف جسوس بالمثقف الذي "آمن بأن التغيير يبدأ من معرفة الواقع، وأن البحث في المجتمع عنصر أساسي للعمل السياسي، وأنه يدعو في كل المجالس إلى فهم ميكانزمات السلطة من خلال قضايا عدة، وكانت محاضراته ونضالاته مدخلا لممارسة السياسة بشكل مختلف يحترم ذكاء الناس".
لم يكن محمد جسوس أستاذاً جامعياً ومنظراً لعلم الاجتماع فحسب، بل كان منخرطاً في الشأن الاجتماعي، عاشر الفلاحين والعمال وكان مصغياً جيداً لهم ومؤطراً لحركاتهم النضالية، أما بيته بالرباط فكان مفتوحاً على الدوام للطلبة والباحثين ينهلون من الكتب التي تملأ خزانة البيت، ومن الكلمات والأفكار التي كان يحملها صاحب البيت.
المصدر: السفير