الصورة القاتمة للناس
لا تتحدث وسائل الإعلام كثيراً عن الطبقة العاملة. ولكن عندما يحدث ذلك، فإن لديها صورة واحدة لتقديمها، صورة كاريكاتورية من المشاهد الثانوية.
ما سبب افتتان وسائل الإعلام بالفوالق الميتة في المجتمع؟ إنها الليبرالية الجديدة، الشخصية المحورية في طوفان لا نهاية له من التقارير الصحفية والمقالات الطويلة والقصيرة والبرامج التلفزيونية والإذاعية اليومية التي تدّعي نشر قضايا «جدية» تثير قلق البشرية، لتغييب الطبقة العاملة بحيث تصبح غير مرئية في وسائل الإعلام.
تبقى الطبقة العاملة الموجودة بالفعل- واسعة ومتنوعة- غير مرئية إلى حدٍّ كبيرٍ، باستثناء كونها صورة كاريكاتورية مختزلة استغلها الليبراليون والنخب الإعلامية لتشويه الطبقة العاملة، في لغة إعلامية لا يمكن تمييزها فعلياً عن لغة الإدارة ورأس المال والتوافق النيوليبرالي الجديد.
هذه الصورة هي نموذج للأعمال التي تتبناها وسائل الإعلام الكبرى والمحلية، ويستخدمها مختلف الرؤساء والإدارات لمنع ما يدور بين العمال من الوصول إلى وسائل الإعلام الجماهيرية. وتأطير وسائل الإعلام لتأييد استبداد الشركات.
ونتيجةً لذلك، تحولت لغة وسائل الإعلام بإتجاه الاستهلاك وتغييب الإنتاج منذ سبعينات القرن العشرين، وأصبح العمال «موظفين فرادى»، لا يشاركون في عمل جماعي، وإنما في ثقافة طموح فردية تشجعها الرأسمالية النيوليبرالية. وحل محل تشجيع العمل الجماعي في الإنتاج نظام للمشاريع الخاصة من إخراج رجال الأعمال والرؤساء التنفيذيين.
محو العمال وإضعافهم كطبقة: هو أحد البنود الموضوعة على جدول أعمال الإعلام الليبرالي من أجل السيطرة على الناس وليس انتهاءً بمعاداة الثقافة نفسها. ومن هذه النقطة تقود وسائل الإعلام المختلفة في المنطقة والعالم عملية تقسيم الطبقة العاملة إلى أفراد، عبر التركيز على الصورة الديمغرافية والمناطقية والعمرية والعرقية والثقافية والسمات الشخصية لأفراد الطبقة من أجل تفتيتها سياسياً وتحويلها إلى رسومٍ كاريكاتورية بلا تأثير، فالحديث عن الطبقة العاملة يسبب الصداع لوسائل الإعلام، أما الحديث عن إضراب العمال، فيسبب الصداع المصاحب بحالة من الرعب.
تعيش الصورة القاتمة للناس أيامها الأخيرة على وسائل الإعلام، وحتى الإكثار من تلك المواد لم يعد ينفع أصحابها لانسداد الأفق أمام النموذج الليبرالي في الواقع، وبالتالي انسداده أمام معادله الثقافي- الإعلامي وانهيار الحل الفردي على مستوى العالم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 911