"الاحتيال الأميركي" سينما العنف المبطن والظاهر
يتبوّأ "الاحتيال الأميركي" للسينمائي ديفيد أو. راسل (مواليد نيويورك، 20 آب 1958) المرتبة الأولى في لائحة الترشيحات الرسمية لجوائز "أوسكار" الـ86، التي توزّعها "أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية" في لوس أنجلوس في 2 آذار 2014، إذ حصل على 10 ترشيحات في فئات أساسية، كأفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل سيناريو وضعه المخرج نفسه بالتعاون مع إيريك وارّن سينغر، هو الفائز بـ3 جوائز "غولدن غلوب 2014" في فئات أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي، وأفضل ممثلة في فيلم كوميدي أو موسيقي (آمي أدامز)، وأفضل ممثلة في دور ثان (جينيفر لورنس).
لكن هذا كلّه لا يقف حائلاً دون قراءة نقدية لفيلم انتقاديّ ساخر، استعاد إحدى المراحل التاريخية في أميركا (1978)، لرسم صورة قاسية عن جانب فاسد في البيئة الاجتماعية الأميركية، على مستويي العيش اليومي والسياسة/ الأمن/ القضاء. قيل إن السيناريو مستوحى من قضية "أبسكام" التي شهدتها أميركا مطلع السبعينيات المنصرمة (فساد سياسيين، ورشاوي كثيرة، وتداخل مصالح شخصية وعامة بين رجال أعمال ومال ونواب ومافياويين مسيطرين على كازينوهات وعقارات هنا وهناك، بالإضافة إلى عملاء تابعين لـ"المكتب الفيدرالي للتحقيقات"). قيل إن "ألعاباً" قذرة جرت فصولها يومها، وإن "توريطاً" ما لعرب خليجيين حصل أيضاً. الفيلم، الذي كاد يتحقّق مطلع الثمانينيات لولا وفاة الممثل جون بيلّوشي في 5 آذار 1982، يُركّز على مسألة أساسية: "يصدّق الناس ما تُقدّمه إليهم، أو ما تقوله لهم". إنه الاحتيال، أو الخداع. هذا ما اعتاش منه ايرفينغ روزنفالد (كريستيان بايل)، مقتنعاً بأن عمليات الاحتيال صغيرة الحجم (آلاف الدولارات الأميركية فقط في كل مرة) أسلم وأفضل وأقدر على حمايته من الوقوع في قبضة العدالة. غير أن لقاءه الرائعة والساحرة والجاذبة والفاتنة والمغوية سيدني بروسّر (آمي أدامز) أدخله عالماً أوسع من الخديعة، متّفقاً معها على استمرار العمل بأسلوبه المعتاد، قبل أن تنقلب الأمور كلّها رأساً على عقب، إثر اختراق العميل الفيدرالي ريتشارد "ريتشي" ديماسو (برادلي كووبر) عالمهما الـ"محصّن" هذا. اختراق شكّل منعطفاً في حياة هذا الثلاثي، الذي دبّ الخلاف بين أطرافه الثلاثة لاحقاً، والذي عانى مخاطر شديدة كادت تودي بروزنفالد، الأخبث بينهم، والأنجح في النجاة من حقول الألغام الكثيرة في "وظيفة" كهذه، بل في "تورّط" كهذا: التلاعب بسياسيين نافذين للإيقاع بهم. حقول ألغام تجمع السياسة والقضاء والمباحث الفيدرالية والمافيات والمال والأعمال في خندق واحد. لكن نجاة روزنفالد ساهمت في تعرية هذا الجانب الموبوء في الحياة العامة.
ليس "الاحتيال الأميركي" فيلماً عن الخديعة فقط، بل عن العنف أيضاً، المبطّن والمكشوف في آن واحد. عنف الصراع "الهادئ" داخل الكواليس والترتيبات وتبادل المصالح المشتركة. عنف الكلام القابل لتزوير واقع، أو للتحايل عليه. عنف القوة البدنية، التي تُترجِم غضباً وهوساً بما ينكشف لاحقاً عن كونه "غير حقيقيّ". عنف النظرة وتوابعها في حركة الجسد واليدين، وفي النبرة وإيقاع الكلمات ومخارج الألفاظ. عنف الصدامات التي دفعت كثيرين إلى انهيارات عنيفة في حيواتهم الخاصّة، وحضورهم العام. هذا كلّه مُظَهَّرٌ في أداء تمثيلي، وبناء حكائيّ، وإخراج اعتمد السخرية في الجوانب المختلفة للعمل.
المصدر: السفير