مروِّض الأسود
«... صبي في السابعة... كان لديه أسد مستأنس يرعب الناس الآخرين كلهم، ولا يحب أحداً من الناس سواه. كان الأسد يحضر عندما ينادي عليه، ويتبعه ككلب صغير أينما ذهب...
...صبي في العاشرة... كان يقضي ساعات بأكملها يتخيل فيها حيوانات... في هذه الأخيولة كان لديه سيرك هائل، وكان في الوقت نفسه مروضاً لأسود... كان يجري تدريبها على أن تعيش معاً في محبة، ثم يدربها على الّا تهاجم الكائنات البشرية...
... فتاة صغيرة كانت تخاف أن تعبر الردهة في البيت في الظلام، لأنها كانت في رعب من أن ترى أشباحاً، ولكنها وقعت فجأة على حيلة مكنتها من أن تعبر الردهة، كانت تجري عبر الردهة، وهي تقوم بكل نوع من الإيماءات الغريبة أثناء عبورها....»_ من كتاب الأنا والميكانيزمات الدفاعية لـ «أنّا فرويد»
ما يربط هؤلاء الأطفال، أنهم استعملوا الخيال والآليات الدفاعية، ليتصدوا لأزمة تشكلت أثناء وعيهم، فلم يستطع الإدارك أو الـ «أنا» تحمل الأزمة، وقام بالالتفاف عليها، من خلال إما نسج خيالي ما، أو من خلال إسقاط عنصر القلق، عبر تخيل الحيوانات الضارية، والقدرة على ترويضها وحمايتها للأطفال، عندما يحتاجون لذلك، أو من خلال التماثل مع مصدر القلق والخوف، وهو الشبح كما فعلت الفتاة الصغيرة عبر قيامها بإيماءات غريبة. وما يربط هذه الأقاصيص التي يمكن أن نجدها عند العديد من الأطفال، أنها تأتي نتيجة تعامل الراشدون معهم. عندما يقوم الراشدين بمقارنة الأطفال بذويهم «أنت قوي مثل والدك»، «أنت جميلة مثل والدتك»، أو عندما يقوم الراشدون بتغيير الواقع، لكي يصبح أقل وقعاً على الأطفال في حالات الموت مثلاً، أو في حالات رحيل الأهل أو المحيط بقولهم «سيعودون حالاً». فلكي يحمي العقل أو الإدراك نفسه، يقوم بإنشاء آلية دفاعية تمكنه من المتابعة في الحياة بشكل أقل اضطراباً، عبر استعمال الإنكار، أو الخيال، فينكر الأطفال أن الحدث يحدث، ويقومون بنسج تخيل حول الموضوع، يحميهم على الدوام من القلق والخوف، ومن تبعات هذا القلق.
تطور مروّض الأسد
تعتبر أنّا فرويد_ ويوافق معها معظم من يبحث في الآليات الدفاعية_ أن بعض الآليات تنشأ حسب عمر الشخص الذي يستعملها. فحتى في كون هذه الآليات غير واعية، يلعب الإدراك في أيّ منها، دوراً يستعمل عند الحاجة. يقوم الأطفال باستعمال الإنكار في كون وعيهم بمحيطهم محدود بتجربتهم، وخيالهم يأتي من قصص الأطفال التي تصور الحيوانات والأبطال الخارقين، بكونهم أقوياء، يمثلون القدرة على التغلب على الأزمة التي كبحت الأطفال عند نموهم. فكما يقوم الطفل بتمثيل الأسد على أنه القوى التي تحمي الولد، وهنا الأسد قد يمثل أي فرد في حياة الطفل، مثل: الأب أو الأم_ عادة يكون الأب نتيجة للدور الاجتماعي للأب في المجتمع الرأسمالي_ أقوى من الطفل، ويشكل الحماية الدائمة، والتي تأتي عند الحاجة. ويمثل البطل الخارق أيضاً مصدر الحماية للطفل من القلق، ومصدر تخفيض القلق والخوف، بكون استطاعة البطل الخارق حماية الطفل، والقيام بما لا يستطيع البشر القيام به. أي أنه يتم إنكار وجود مصدر قلق، وهو الخوف والضعف، بإنشاء قوى مساعدة، حيث يتم إسقاط_ على هذه القوى_ الصفات التي يريدها الطفل أن تكون موجودة عند هذه القوى الحامية، لذلك تكون حيواناً قوياً أو بطلاً خارقاً. بينما الفتاة قلبت الأدوار لتتغلب على مصدر قلقها، فبدلاً من أن تخلق مصدر حماية دائم لها، ليساعدها على عبور الردهة، تمثلت هي في الشبح عبر الإيماءات الغريبة.
تشكل أيضاً ألعاب الأطفال مصدراً آخر للكبت، وبالتالي للدفاعات، كما الفروقات بين الألوان التي تستعمل في ألعاب الأطفال. فللبنات ألعابٌ تختلف عن ألعاب الأولاد التي تربطهم بدورهم الاجتماعي اللاحق في الحياة، وهو تربية الأطفال والاهتمام بالمنزل، بينما يمنع على الأولاد اللعب في هذه الألعاب، التي قد تحرف الصبي عن دوره «الطبيعي» في المجتمع. فالألعاب تكبح على الأطفال أن يقوموا بالأعمال بشكلٍ متساوٍ، مما يشكل بالنسبة لهم مصدراً للقلق والخوف من نتيجة الخروج عن هذه القاعدة، لذلك تأتي الآليات الدفاعية لتشكل مخرجاً للأطفال من هذه القلق الخوف، فتقوم الفتيات يتمثل دور الأم والأولاد بتمثيل دور الأب. الكبت الذي يصدر عن هذه الألعاب وغيرها كثير، مثل: اللعب خارج المنزل، سيرفع نسبة القلق عند الأطفال، واللذين لم تتشكل عندهم بعد القدرة على التحليل. والذين يتعلمون ما هو مسموح وغير مسموح_ أو الصح والخطأ_ في أخلاقيات المجتمع من قبل بيئتهم المباشرة الصغيرة. لهذا من غير الممكن لهم مجابهته أو تغييره، فتقوم الآليات الدفاعية بالتخفيف من حدته، والقلق والخوف الصادر عنه، باستعمال إحدى الآليات الدفاعية غير الناضجة، مثل: الإنكار، قلب الضد، أو الإسقاط.
مرضية الدفاعات عند الأطفال
من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً عند الأطفال، هي: نقص الانتباه مع فرط الحركة، حيث يتهم بها أي طفل يقوم بحركة إضافية في مدارسنا، التي تدعو إلى «تعليم نقدي مواكب لتقدم العصر». ولكن إذا ما سمحنا لخيالنا بالتنبؤ بأفعال الأطفال الثلاثة اليومية، التي ذكرتها أنّا فرويد في كتابه، قد نجد عند هؤلاء الأطفال فرط حركة ونقص في الانتباه، إن لم نذهب أبعد من ذلك، ونجد نقصاً في تطور الإدارك أو خللاً في هذا التطور. هذا ما يقع ضحيته العديد من الأطفال من خلال عملية غير واعية، يقومون بها بحماية نفسهم، فيقوم أصحاب النظريات «التأديبية» الحركية للأطفال بتركيز هذه الاضطرابات عند الأطفال، بدلاً من تحريرها والتخلص منها. فيعزز القلق والخوف عند هؤلاء الأطفال، بدلاً من تحريرها ويحولها إلى مرض.
يتعاطى علم النفس السائد مع تطور الأطفال، فيعزل العوامل الأخرى التي تلعب دورها في تطور وعيهم وإدراكهم، وتكبت تصرفاتهم. والذي لا يمكن تغييره بتخيل مصدر قوة بل بتغيير العلاقات الاجتماعية التي أدت إلى الكبت، فالقلق والخوف، أي: ببناء نظام يسمح للعلاقات الاجتماعية أن تخفف الكبت الاجتماعي وتحرر القلق.