ماريانو وخوبشو وعابيرو
سلمى سعيد سلمى سعيد

ماريانو وخوبشو وعابيرو

في محاولات وصف البنية الطبقية وبنية الدولة في بدايات تشكل المدن –الممالك في أواخر عصر البرونز في منطقتنا قدم عدد من الباحثين وصفاً وتحليلاً لتلك الفترة ومنهم دونالد ريدفورد الذي يقول في كتابه «مصر وكنعان واسرائيل في العصور القديمة» في معرض وصفه للدولة الكنعانية والمجتمع:

كان المجتمع الكنعاني قد تشكل في العصر البرونزي المتأخر حول عدد من الدول التي كانت مع حجمها المتوسط، في طريقها للتبلور كحواضر ترتكز على مدن تدعى، أو في حقيقة الأمر تصبو إلى وضع «مملكة كبرى»:
حازور (حاصور) في أعالي الأردن، قادش في أعالي العاصي، تونيب في أواسط سورية، بلاد نوخاششي جنوبي حلب وأوجاريت على الساحل، وبذلك لا نكون قد أشرنا إلا إلى أكبر المتنافسين في هذا المجال. فكل هذه الدول/ المدن تسيطر تتوسع أو تتقلص، جراء نزوات الخصومة على الحدود، والزيجات الدبلوماسية وعمليات البيع والشراء أو السلب والنهب. ولم يكن بوسع أحد أن يدعي الأمان في وادي النهر المجاور أو في الدول الواقعة في المرتفعات العالية، تلك التي أورث عمرها المديد تقاليد فرض آلهة الطبيعة التي تخدم نفسها بنفسها للعقاب الصارم. وهي التقاليد التي تحملت، فيما يبدو، كل اختيار من اختيارات الآلهة.
ملك وماريانو
درج وصف رئيس مثل هذه الدولة الحضرية بصفة «ملك»، ولكنه كان أقرب ما يكون إلى أمير- تاجر، وأول بين الأنداد (المتساوين)، أي نبيل بارز بين طبقة من النبلاء أقرانه. وكانت هذه الطبقة تتكون من مجموعة من أرستقراطية تقود العجلات الحربية تدعى «ماريانو» وهي الأرستقراطية التي تملك الضياع في المناطق الريفية، وتسيطر على مجتمع القرى الكبرى. وتعتمد العضوية في هذه الطبقة على الوراثة، مع أنه كان في طوع الملك أيضاً أن يرقي أتباعه إلى مرتبة «الماريانو» تلك.
حرفيون وفلاحون
وفي أواسط السلم الاجتماعي نجد طبقة الحرفيين أو الصناع، وهي عبارة عن قوة عمل، إلى حد كبير تخضع لسيطرة القصر. وقد ذاع صيت تلك الطبقة، وخصوصاً عمال التعدين في قلبها، حتى تاق إلى امتلاك التحف المعدنية السورية الصنع فراعنة مصر الذين كانوا في العادة لا يعيرون المنتجات القادمة من الأراضي الأجنبية أي اهتمام.
خوبشو وعابيرو
وفي قاع التركيب الطبقي للمجتمع الكنعاني نجد الفلاحين «الخوبشو» أو الجماهير الريفية الذين يعملون سواء في المزارع أو سائر وحدات الانتاج الزراعية (كما في ال«جت» أو معصرة الزيتون) ولما كانت طبقة «الخوبشو» هذه مرتبطة بشكل حاسم بالأرض بصفة دائمة فلقد وقع على كاهلها أن تمد الدولة بالميليشيات المحلية التي تخوض الحروب أو تنخرط في مشاريع التشييد. وكانت هناك مجموعة منفصلة صغيرة ، تسمى «العابيرو»، تقع على مبعدة بسيطة من هامش المجتمع الكنعاني «الراقي» الذي عرفه عصر البرونز المتأخر. وهذه المجموعة كانت عبارة عن زمرة من الخارجين عن القانون، المناهضين للتنظيم الاجتماعي، المنبوذين من المجتمع الذين يحافظون على حياتهم داخل تجمع شبه مستقل في المناطق الريفية داخل الدولة الكنعانية. مع أنهم كانوا لا يترددون، في غالب الأحيان. في وضع أنفسهم في خدمة هذه الدول، إلا أن هؤلاء «العابيرو» حافظو على استقلالهم وحريتهم في الترحال. وحاول الكثيرون في كتاباتهم استقصاء الظروف الاجتماعية المناوئة داخل المجتمع الكنعاني التي ولدت، بالضرورة، مثل هذه المجموعة البشرية، ويبدو غير مستبعد أن تكون عدة عوامل منها سوء الإدارة والاختناقات الاقتصادية والكوارث الطبيعية قد تضافرت، كي تنتج ظاهرة «الهروب من الأرض» من جانب العناصر المعدمة من السكان. أياً كان السبب فالـ «عابيرو» وكما يدل اسمهم ذاته (مثيرو الغبار: أي أولئك الذين يخلون العقارات بسرعة فائقة) يكشفون عن سمة أشبه بالغجر، وقد برهنوا على صعوبة وضعهم تحت السيطرة الفعالة من جانب سلطات الدولة.
ويتضح طابعهم غير المتجانس في قوائم الإحصاء التي ترجع إلى مدينة «ألالاخ» حيث ضمت إحدى زمر «العابيرو» لصاً مسلحاً واثنين من قادة العجلات الحربية وشحاذين وحتى كاهناً للإلهة «عشتار».

معلومات إضافية

العدد رقم:
833