تشكيل  «نزهان  - وعلّاف» في ألف نون

تشكيل «نزهان - وعلّاف» في ألف نون

أنا ابن ذلك المكان الغني برموزه وأساطيره وألوانه وأشكاله، ولوحاتي شباك مفتوح على بيوت وحقول على مد النظر، وتتوهج باللون الأصفر (الشمس) وتحتها وجوه الحصادين المتعبة، وأزياء النساء بألوانها الزاهية وثقل الأزمة جعلني أرسم بالأسود والرمادي والومضات تعبير عن الأمل. بهذه الكلمات يعرف الفنان التشكيلي السوري جمعه نزهان نفسه، في حديث لقاسيون على هامش معرض مشترك بسم(جدل5) مع الفنان غزوان علاف أقيم على مدى اسبوعين في صالة ألف نون بدمشق.

 

 

طباعة في الذاكرة!

الفنان جمعة نزهان ، وهو القادم من ذلك الريف المستباح بظلام داعش، بعض أعماله رسمها خلسةً في قريته الريفية الغافية على ضفاف الفرات، وبعضها الآخر رسمها بعد خروجه إلى دمشق، وقد ألقت الأزمة بظلالها على أعماله، سواء في المواضيع والأفكار التي تناولها، أم في اللون، حيث جسدت معاناة المدن والقرى المحاصرة بأحيائها الشعبية ورموزها الاجتماعية والبيئية، فتتراكم البيوت في عدة لوحات شبه غرافيكية، تبدو كطباعةٍ في الذاكرة البصرية، باعتماد اللونين الأسود والرمادي، وتبرز أيضاً المساجد والكنائس والطبيعة، وبتوزيع للظل بدرجات متعددة، وتبدو من خلاله بقع ضوء توحي بالأمل القادم، مع ترك مساحات بيضاء على شكل دروب وطرقات تكسر هواجس الأزمة المنعكسة على اللوحات وتفتح الآفاق.

وفي لوحات أخرى اتبع الفنان نزهان الأسلوب الغرافيكي ذاته، لكن باستخدام الألوان الحارة، كالأصفر والبرتقالي وخاصةً اللون الأزرق كرمزٍ لنهر الفرات، وهذه اللوحات أنجزها في دمشق، وتعبر عن خروجه من أزمة الحصار، وتبرز الطبيعة بألوانها الزاهية، كما طرزهما بكلمات لشعراء كبار، كــ محمود دروش ونزار قباني، وفي لوحة أخرى جسّد النزهان انعكاس الأزمة على المجتمع وخاصةً المرأة كأم وأخت وزوجة بالزي الفراتي والعباءة الديرية وتعبر عن المواساة بين الناس البسطاء، سواء بالحركة العفوية كإسناد الرأس إلى الكتف، أو بالنظرة المعبرة عن التعاطف.

تناغم الكتلة والشكل!

الفنان غزوان علّاف جسد بأعماله التكوينية أو النحتية معاناة الوطن والمجتمع في تناغمٍ بين الفكرة والكتلة والشكل، حيث شكل في أحد أعماله الشهيد المنغرس في عمق الأرض حيث رواها بدمائه، وغذّاها  بعظامه، فأخصبت شجرة مورقة، وفي عمل آخر عبر عن العزلة والاكتئاب والانغلاق على الذات، حيث يبدو الإنسان محصوراً في علبة ساردين، لكنه أبقى جزءاً من العلبة مفتوحا لإتاحة فرصة للانطلاق نحو الحياة، وفي آخر عبر عن تشتت الأفكار وهيمنة ظروف الأزمة وانقضاضها على الإنسان، فتحيط به الأسماك من كل الجهات، وفي رمزٍ لمنشأ الحياة المائي، وبعض الأعمال عبرت عن الحب والتعاطف والعناق بين وجوه متعددة الأشكال وبحركات متنوعة كالمقابلة والتلاصق، منها: نحت خشبي يشكل الوجهان المتعانقان ريشة قلم، أو وجوه كصفحات متناثرة، أو وجهين كدرفتي كتاب وغالبية الأعمال تندرج تحت مسمى الفن الحديث، الذي يكسر الشكل والحجم ويتكيف بالكتلة دون حدود.

معرض جدل 5 جمع بين اللون والكتلة   والشكل، في حوارٍ فنيٍ يبعث الدفء في الحياة ويعيد لها الأمل والألق.

لقاء وحوار

على هامش المعرض، التقت قاسيون مع الفنان جمعة نزهان ودار حوار حول الفن عموماً، والعلاقة بين الشكل والمضمون، ودور الفنان ومعاناته، حيث أكد قائلاً حول العلاقة بين المضمون والشكل: مضمون الفن هو اللون والخط، والشكل مكمل لهما وليس العكس، والشكل لا يغسّر ولا يؤول، وإنما يدرك بلإحساس وإلا سيحتاج إلى نص مكتوب مرافق لتفسيره، ودهشة اللون وبراعة الخط في كل لوحة هي الأساس، وأحياناً يطغى أحدهما على الآخر، اللوحة متعة بصرية، والمواضيع هي الحجة التي يتكئ  عليها الفنان في التعبير عن أفكار، وتحليلات النقاد تفقد العمل متعته.

المطلوب من الفنان وخاصةً في هذه الفترة الاستمرار بعمله الفني والصمود في وجه البشاعة، والكشف عن الجمال في الواقع، لأنه واعٍ، وعليه رفع معنويات الناس، حضارة آلاف السنين يجب ألا تستبدلها سنوات عجاف وعرج في سياق الحديث عن معاناة الفنان فهي في تأمين مستلزمات الإنتاج الفني وتكاليفها العالية، وهو مضطر لتسويق عمله الفني لتأمين قيمتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
800