المُستشار
مشهد (1): نهاري داخلي – غرفة مكتب بأثاث فخم.
يرنّ الهاتف، يمتشق المسؤول السمّاعة برشاقة ويردّ:
نعم.. (وبلحظة يهبُّ وافقاً) احتراماتي سيدي!... المازوت والغاز والبنزين وخلافه؟ عُلِم، حاضر سيدي!
يغلق السمّاعة بحماس ويطلب من هاتف آخر:
ألو، ابعثوا لي بالمستشار الخبير بسيكولوجيا الجماهير.
لحظات ويُدقّ الباب ويدخل المستشار:
أهلاً بالمستشار العظيم.
أهلاً بكم سيدي.
لدينا توجّه برفع سعر المشتقات النفطية بنسبة 50% اخترْ لنا طريقةً لتمريره دون جَرْصَة..
بسيطة سيدي، إنها مهمة سهلة، لقد اعتدنا عليها. سوف أطلب من «رئيس فرع الإشاعات الترويج» بأن الزيادة المرتقبة لأسعار المحروقات سوف تبلغ 200% وننتظر أسبوعاً، نتحسّس خلاله نبض الشارع وردّ فعله. ثم نكلّف «رئيس قسم الردّ على الإشاعات» بأن القيادة لن توافق على هذه النسبة مهما اشتدّت ظروف المؤامرة، وأنّ سقف موافقتها هو 50% فقط لا غير. وتوته توته، خلصت الحدّوته..
برافو عليك، هيّا باشرْ مهامّك.
مشهد (2):
أهلاً بالمستشار.. (يخرج من خلف مكتبه متجهّم الهيئة عابس الأسارير، ويسير متمهّلاً وقد عقد ذراعيه على صدره) بعض الحمقى من أصحاب الرؤوس اليابسة ما زالوا يفكرون بقضايا كبرى؛ يتحدثون عن مصائب الليبرالية وقانون التشاركية وعن فوائد القطاع العام وتأميم شركات الخليوي وما إلى ذلك.. تصوّر! ما زال لديهم الوقت الكافي للثرثرة! «يرضى عليك»، هزّ اكتافك وابحثْ لنا عن حلّ سريع لهذه المهزلة..
(يزفر مستسلماً معبّراً عن فراغ جعبته من الحِيَل ويرفع يديه إلى الأعلى) أُقسم لك سيدي، أكاد أرفع العشرة؛ غلاء فاحش، لا مازوت، لا غاز، لا كهرباء، لا طعام ولا شراب مثل العالم.. ومع ذلك – لا حول ولا قوة إلا بالله – والله سيدي لدينا شعب بسبع أرواح الله وكيلك؛ شعب يتمتع بقدرات أسطورية على التحمّل!
(يهزّ رأسه بامتعاض العارف بالبديهيات) نعرف ما ذكرتَ وأكثر، ولكن علينا البحث والتفكير بطرق نتمكّن من خلالها السحق النهائي لكلّ من تسوّل له نفسه تشغيل مخّه. لقد محضناك ثقتنا والباقي عليك. هيّا!
يلبث المستشار برهة جامداً لا يتحرك، وفجأةً تلمع في ذهنه فكرة، فيصفّق بإصبعيه الوسطى والإبهام بفرح مَن تذكّر شيئاً منسيّاً:
جاءتني فكرة سيدي! يوم القيامة، أي نعم يوم القيامة! فأغلبية الناس متدينة. سوف نطلب من «رئيس فرع التهويل والترويع» الحديث عن أن يوم القيامة بات قريباً. وبأن الشعب، بل كل شعوب الأرض ستلفظ أنفاسها وتُحشر في يوم الحساب. ونكلّف «رئيس فرع الأبراج والفلك» بالتعاون مع «رئيس قسم جنان الخلد» بالإيعاز إلى رجال الدين بكافة مذاهبهم ومللهم أن يكون شغلهم الشاغل هذا الحدث. فينشغل الشعب لعدة أشهر بالتفكير كيف سيقضون أواخر أيامهم بالتحلّي بالزهد، والتخلّي عن الرغبات الدنيوية الدنيئة، والانصراف إلى التعبّد والتقرّب من الله تعالى جلّ جلاله.
(تضيء عيناه ببريق النصر) يا عيني عليك يا أحلى مستشار..
المشهد (3): وتتوالى لوحات السيناريو بالتأليف.. ويستمر الصراع. ومع ذلك، ما زال الكثير الكثير من العيون، وحتى التعبة منها، تقاوم المخارز.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 797