حفلة (قَطْعُ) رأس السنة!

ولهذه المناسبة، مناسبة وقف إطلاق النار واقتراب الفرج، يحتفل السوريون. ويتذرعون برأس السنة، ليطلقوا بعض بهجةٍ وأملٍ محبوس في الصدور؛ فليس ثمة ما يستدعي الفرح...

أيفرحون بشح مياههم؟ أم بنعمة الكهرباء المباركة؟ أم بالدفء... بكم الدفء غير المحتمل الذي يخرق عظامهم فيبليها دافعاً أعمارهم إلى نهاياتها بأكبر سرعة ممكنة! أيفرحون بذكرى مفقوديهم وشهدائهم، أم بالمعتقلين وبالمختطفين؟ هل يفرحون بشتات عائلاتهم الموزعة في أصقاع الأرض قاطبة؟ أم يفرحون ببيوتهم المدمرة وشوارعهم المتهتكة؟

لا بد أن يفرحوا بطعم العملة في جيوبهم؛ فالنقود لدى الغالبية العظمى من السوريين، لم تعد (معادلاً عاماً) كما في علم الاقتصاد، بل هي معادل طعام فقط، وليس الطعام كلّه، بل أصناف محددة منه، أما البضائع الأخرى فهي لأصحاب النقود الأخرى، أو الآخرين!

يتندر السوريون على رأس السنة (المقطوع)، وتعينهم اللغة العربية بألعابها، فقطع رأس السنة يعني قطعه، ويعني أيضاً اجتيازه، كما يُقطع الطريق، وكما تُقطع المسافة؛ فكل مناسبة للفرح هي عثرة أمام السوريين عليهم اجتيازها بأقل الآلام في القلب.

هل سمعتم بكآبة الأعياد؟ لابد أنكم تعيشونها معظم الأعياد، ولم تسمعوا بها فحسب. نوع من الكآبة الهادئة التي يَعْزِف بها شخص ما عن الاشتراك في مظاهر فرح عامة، ذلك أنّ (لا شيء يعجبه) وتحديداً حين يكون مرغماً على تمثيل الفرح!

رغم ذلك، فإنّ الكآبة حين تغدو عامة، فإنّ محاولات الانتصار عليها بالفرح تكون أكثر عمقاً وصدقاً؛ تكون إصراراً على الحياة، فكيف إذا كان هنالك ما هو مفرح فعلاً؟

إنّ رأس السنة هذا، ليس للقطع! سنحافظ عليه. سنحافظ على وقف إطلاق النار الذي يعلو جبينه، سنصحبه معنا صوب عام جديد، سنراعيه ونصونه وندافع عنه، ونطبع قبلاتنا على وجنتيه المخضبتين بتعبنا ودمائنا، وبه سنحتفل، وبنا سنحتفل..

كل عام وأنتم بخير، وكل سنة قادمة وسورية أجمل!