دفاعاً عن الحرية
ثالوث هو الرعب بعينه يوضع أمام كل من يريد التحدث بحرية، أمام كل من يبدع، أو أمام كل من يتطلع إلى رؤية جديدة، يوضع أمام من يتحدث بحرية الإنسان، وعن حالات معينة تقوم بها جداتنا (وستاتنا) دون شعور بالحرج أو يقال عن ذلك هذا خدش للأخلاق..
التي دعتني إلى هذا الكلام هي سهرة حضرتها بالمصادفة في قرية من قرى القلمون، وكان من الحضور فيها نسوة كبيرات، أعمارهن ثمانون سنة، وكذلك من الحضور رجال كبار في السن أعمارهم من خمس وسبعين إلى ثمانين سنة إضافة إلى بعض الشباب.
والذي سمعته من الجميع وهم في حالة من التظرف والتفكه، كلام كان في قضايا الجنس، والكلام (من الزنار ونازل) وكل السهارى كانوا من البلدة ذاتها، ولكن من عائلات مختلفة، وكنت غريباً بينهم، لكنني لم أسمع ولا كلمة من أحد: إن ما يحكى عيب أو خادش للأخلاق أو مسيء للمشاعر.
وأظن أن ذلك الكلام كان طبيعياً، وعفوياً، ولم يكن مرتباً... أي أنه يجري دائماً دون أن يظن أن هذا يخدش الأخلاق والذوق أو هو محرم بشكل ما.. وأقول: لو أن ذلك سمع من المسؤولين في جريدة تشرين الغراء، لأمروا بمحاكمة هؤلاء السهارى جميعهم بجرم خدش الأخلاق، ولأمروا بتقييدهم وكم أفواههم.
أقول ذلك لأنني سمعت وقرأت عما جرى للمسؤول عن الملحق الثقافي في جريدة «تشرين» الصحفي خليل صويلح حيث صدر قرار بإقصائه عن عمله لأنه نشر قصيدة اعتبرها بعضهم خادشة للأخلاق، أو هكذا فسرت في إدعاء أحد الرقباء، وكأن هذا الرقيب لم يقرأ تراثنا وتاريخنا ـ لم يقرأ ألف ليلة وليلة، ولا كتاب الأغاني، ولا طوق الحمامة ولا غيرها من كتب التراث، ولم يسمع بما يجري في العالم من تقدم وتجديد، ولا يهتم بما يجري، أو أن رأيه أن نمنع ونحرم تلك الكتب ـ بل نحرقها، وأن نمنع قراءة الجديد.. أم أنه مع تحريم كل الكتب التي تبحث في ذلك؟!
أم أنه مع تكفير فلان ومع ما جرى لنصر حامد أبو زيد وجلال صادق العظم وغيرهما من كتابنا ومفكرينا الذين تهمهم حرية البحث وحرية الإبداع.. ألم ننته من ذلك بعد؟ مع أخذ العلم أن ذلك الملحق كان ينشر أحياناً أشياء جميلة وحديثة، وأحياناً أشياء عادية لا يوجد فيها شيء معاصر وحديث، ولكنه كان من الملاحق اللافتة في بلادنا.
وأنا آسف لهذا التصرف الذي قامت به تشرين، وأتمنى أن ترجع عن تصرفها.. ثم أنني أدافع عن الحرية في لفتتي هذه.. عن الحرية والضوء في وجه القرارات الخاطئة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 386