عرض (نهاية ستاج) محاكاة لأفكار أوربية في بيئة سورية

يدعونا ما قدمته فرقة «ليش» للمسرح الحركي في المركز الثقافي الفرنسي مؤخراً إلى مناقشة مسألة المسرح الحركي برمته، والعرض الذي قُدم على وجه التخصيص.
فلا بد من الإقرار أولاً أن نقد هذه الأعمال من المهمات الشاقة، ذلك أن الكتابة في نقد عمل ما يحتاج إلى دراية جيدة بأسس بناء هذا العمل، والتقنيات الرئيسية المتبعة فيه. ويحتاج إلى ذخيرة مشاهدة لكم كبير من هذا النوع من الأعمال. لكن ذلك لا يمنعني أن أشاهد بعين فاحصة، وأن أتابع مشروع الفرقة منذ العرض الأول لها «بعد كل هـ الوقت». وبناء على ذلك كله، لن تكون كتابتي عن الموضوع كتابة احترافية تحليلية، ولكنها، ستكون علمية قدر الإمكان.
- أعتقد أن فرقة ليش (وأفرادها متغيرون دائماً، ما عدا رئيسة الفرقة نورا مراد) تستغل عدم دراية الجمهور بهذا النوع من الأعمال المسرحية، وبالتالي تحاول تقديم عرض مبهر، يعمى شكله الجديد على جمهورنا عن رداءته.

 كما تستفيد هذه الفرقة استفادة غريبة الطابع من دعم المركز الثقافي الفرنسي نتيجة العلاقات الطيبة التي بين المركز الثقافي ورئيسة الفرقة نورا مراد.
- يحمل مشروع الفرقة طابعاً بعيداً جداً عن الحركة المسرحية العامة في سورية. حيث إنه يبحث -مثلاً- عن شكل تعبير مختلف بالجسد. بينما لا تزال أدوات التعبير التقليدية (الحوار مثلاً) تعاني من مشكلة في المسرح السوري. وقيام مشروع كهذا يتطلب حركة مسرحية ناشطة، تقدم أعمالاً متتالية كثيرة، ومتنوعة، مما يفتح مساحة كبيرة للتجريب. أي أن تكون هذه العروض مجالاً للتنفس الفكري والجمالي خارج إطار الثقل الكلاسيكي. ليست هذه دعوة للغرق في الكلاسيكية وعدم تقديم الجديد، ولكنها دعوة للتجريب بناء على ما يجري في مسرحنا، وليس في المسرح الفرنسي.
- منذ العرض الأول للفرقة، تمحورت عروضها حول موضوعات الموت والعزلة، موضوعات سوداوية وعدمية. وهذا ترف فكري ليس له قواعده التي تقنع الجمهور به (هذا في حال كنا واثقين من فهمنا للعرض)، وترف جمالي ليس له قواعد ثابتة في المسرح السوري. إن العدمية تعاني من مشكلات في صلب طرحها الفلسفي، بعد أن نشأت ضمن ظروف قاسية، وبناء على تراث فلسفي ومسرحي هائل، وفي بلاد أصبحت فعلاً بحاجة لهذا النوع من الأعمال، فما بالك به في بلد لم يمر على المسرح فيه أكثر من قرن وربع. إن نشوء المسرح الحركي في أوروبة ليس مرتبطاً بعمر المسرح الطويل فيها فحسب، بل مرتبط بطبيعة المجتمع الأوروبي الصناعي ونتائجه على الإنسان، فالقول في المسرحية التقليدية والمسرحية الحركية، ليس واحداً على الإطلاق، حتى وإن كانت الفكرة العامة واحدة.
- فيما يتعلق بالعرض نفسه، فهو يعاني من مشكلات متعددة: غياب العلاقة بين النص المسجل والمشهد الحركي على المسرح. كما أن تراكم النصوص المسجلة لا ينسج علاقة بين أجزائه المتتابعة، فبدت الجمل الشعرية المأخوذة من «مجنون إلسا» لأراغون، جملاً متناثرة ليس لها أية قيمة، سوى قيمتها الشعرية الرئيسية بكلام آخر، لم يضف شعر أراغون المسجل للعرض شيئاً ذا قيمة جمالية أو فكرية، لكن له قيمة زمنية، هي إطالة زمن العرض قليلاً (تجدر الإشارة إلى أن بنية العرض العامة مأخوذة بحرفيتها من عرض اسمه «المجنون» لتوفيق الجبالي، والمأخوذ عن نص جبران خليل جبران). يعاني الممثلون أيضاً من تموت في الحركة، والعرض عموماً فيه خلل كبير في الإيقاع. أخيراً وليس آخراً، ليس هناك تمييز بين المغني والممثل والراقص، وقد هدف الستاج إلى مزج أدوات تعبير هؤلاء ببعضها، وقد كانت هذه الأدوات واحدة لدى الجميع.
يبقى موضوع المسرح الحركي موضوعاً واسعاً، يحتاج إلى حوار طويل أتمنى أن تكون المشاركة فيه أوسع، لتفتح أبواباً أخرى، نشد على أيدي العمل الطوعي في المسرح، علنا ننهض من سباتنا الثقافي، وإن كنا بحاجة إلى تجريب أكثر التصاقاً بنا...

معلومات إضافية

العدد رقم:
169