«كلوز» عاليا في فضاءات القصة

صدر مؤخرا مجموعة قصص قصيرة جدا للكاتب مصطفى حرويل عن دار الناس للثقافة والكتب والنشر تحت عنوان «كلوز». عشرات العناوين الهامة والملحة تناولها الكاتب بقالب أدبي جميل اقل ما يقال فيه السهل الممتنع

بدأها «الآن هنا»

ولدت هنا... هنا ترعرعت... العالم كله لا يتسع لطموحي... بقيت هنا... هنا بنيت حياتي في نهاية اليوم الآن هنا... كان أخفض شيء في العالم سقف أحلامي

ويبدأ الكاتب باللعب السهل ، للإمساك بالمعقد والصعب وهو استمرار لطفولة الكتابة وإخلاص لتركيب الحكاية ومحاولة للدخول إلى ذهن القارئ وتحفيزه على توليد الحكايا ويتبخر حلم انتظار النهايات ليبدأ القارئ بالشك ففي قصة «يقول: أفتتح المزاد..... الأسعار متدنية..... الزبائن معدودون نصفهم نائم والنصف الآخر...... يتثاءب...... انفض المزاد..... بضع مئات من الدولارات..... فقط؟  البيع: بلد عربي.......بعد نضوب النفط.

ويستمر تصادم الكلمات ببعضها محدثة أصواتاً عنيفة وصخباً وتمرداً في داخل هذا الفضاء الفاسد الموبوء عن عمد الذي أسسه البشر بأنفسهم ليكونوا ضحيته ولا ينتهي الاستفزاز وتبقى الأسئلة والمفردات مطروحة داخل القصص من البداية وحتى النهاية في قصة «ميكروفونات»

خرج من المؤتمر، تراكض المراسلون،    عشرات الميكروفونات بالقرب من وجهه،  تكلم، تشدق، نظر، تحولت الميكروفونات إلى حشد من أصابع وسطى. 

وتعددت الأصوات واللعب في سرد الكلمات لجذب القارئ الذي هرب من صخب الحياة ليتحلق مع عالمه بما فيه من خيال وبكل ما يحمل من هشاشة وحزن وفرح وحرية وقسوة وتشوه .

إن متابعة الكاتب الدؤوب والبحث والحفر في أغوار القصة ساعدته على اختيار كلماته بدقة كبيرة فلم تعد البطولات والأحلام وحدها كافية لبناء قصة قصيرة جدا إنما الذات والمرارة واليأس أيضا لأننا نعيش في زمن أصبحت العواطف مبتذلة وكاذبة . 

وهذا النقد الفاضح للمجتمع وخباياه في الحكايات المسرودة من زفير الكاتب واضحة في حركة شخوصه وهديرهم والفضاءات الممزقة.

أمام التلفزيون مساء، جلست، ضغطت أزرار الأقنية، واحدة واحدة، عشرات الأقنية، مضت ساعة، ساعتان، لا أدري لم أشاهد شيئا، تذكرت قول جدتي: كثرة المرعى تعمي الدابة.

ويقف السارد أمام العالم ليحبس أنفاسه ويبدأ لعبة النص واستغلال جميع مفرداته 

فهو واقف في مكان يترصد جيدا يخدش وينتقد حتى نفسه بعين ثاقبة يفضح ويصرح ليقارب بين نصوصه والعالم 

يحكي ويعلق ويبكي ويراقب كل شيىء وثمة أشياء كثيرة يمكن قولها وهذه المجموعة بكاملها حالات يعيشها كل فرد في مجتمعنا الفاسد حيث انهارت القيم واختفت الحكمة وتهشمت العواطف واختفت أبعاد الزمان والمكان انه صراع دائم على الأشياء وضياع للثقافة تحت نعال العسكر والسلطات هذا الواقع المكبل والمصاب بصداع مزمن 

عبر هذه الفضاءات السردية استطاع الكاتب إلقاء الضوء على واقعنا المحطم بقصص قصيرة وجميلة تكاد تجعل ألمنا أخف وجعا.

 

■ ا.ن

معلومات إضافية

العدد رقم:
226