غول الرأسمالية الرابض في وول ستريت
لا تزال الأزمة المالية التي اجتاحت العالم عام 2008 غائبة عن السينما، فمنذ ظهورها لم يطل علينا أي فيلم يعالج أسبابها ويطلعنا على بداياتها بعمق، ولذلك يكاد يكون فيلم «مارجن كول» أول عمل سينمائي تجاري يفتح الباب لتناول الأزمة، ورغم عدم توغله فيها إلا أنه بدا ملخصاً أسبابها وبداياتها ، حاملاً بين مشاهده إدانة واضحة لمجتمع وول ستريت، ويبدو أن مخرجه قد بنى فكرة الفيلم على قاعدة «نكون أو لا نكون» وفيه حذر من خطر غول الرأسمالية على الإنسانية، مقدماً تحليلاً يتناسب مع ثقافات المجتمع كافة لأسباب وبدايات الأزمة المالية في قالب درامي مثير.
ثلة من النجوم
أحداث الفيلم الفائز بجائزة جمعية نقاد نيويورك وأيضاً جائزة أفضل طاقم تمثيل من مهرجان صندانس السينمائي 2011، تدور حول مجموعة من رأسماليي وول ستريت الذين يكتشفون بالمصادفة أن أسواق العالم مهددة بدمار شامل، وعليهم إن أرادوا البقاء على قيد الحياة إيجاد حل عاجل يُخرجهم من هذا المأزق بأقل الخسائر، ولا يملكون لذلك سوى ليلة واحدة فقط، وهو ما يجعل تداولاتهم واجتماعاتهم في تلك الليلة محمومة. وبلا شك أن اختيار المخرج لأبطال الفيلم الذين يتقدمهم كيفن سبيسي وجيرمي آيرونز وديمي مور وستانلي توتشي كان موفقاً، حيث يشعر متابع الفيلم أن أداءهم كان عامل النجاح الأول في الفيلم، خاصة وأن معظم الأحداث تجري في مكاتب ضيقة وتعتمد على الحوار الذي يغلب عليه الصراع المحموم المليء بالخوف من كارثة وشيكة، وقد استطاع المخرج ومعه أبطال الفيلم تقديم مشاعر مختلطة تحتاج عُمقاً نفسياً لا يستطيع تجسيده سوى ممثلين يمتلكون الكاريزما اللافتة التي تجعل المشاهد يتجاوز فقر المكان لمصلحة الصراع النفسي والعقلي الذي يدور في الغرفة الضيقة.
قسوة الرأسمالية
لا يمكن اعتبار فيلم «مارجن كول» عادياً ، ففيه نقترب أكثر من غول الرأسمالية المرعب الذي يسحق في طريقه كل شيء حتى أربابه وكهنته من المضاربين وشركات الوساطة والعاملين فيها. وهو ما يبرز في أول مشهد فيه والذي نرى فيه إحدى علامات قسوة الرأسمالية، وهي طرد الموظفين بداعي تقليل المصروفات لتحقيق أرباح أعلى من دون اعتبار للضرر النفسي الذي سيلحق بالموظف المفصول، وفي ظل تتابع المشاهد يشعر المتابع لها بأنها تعكس صراعاً نفسياً وفكرياً بين كبار الموظفين في الشركات الكبيرة الذين تتنازعهم عدة أفكار للخروج من الأزمة، فبعضهم يفكر بنوع من الأخلاقية تجاه المستثمرين ومستقبل الاقتصاد، بينما البقية لا يريدون سوى البقاء، وبين هؤلاء وأولئك، يصنع الفيلم دراما نفسية مميزة تجري أحداثها في ليلة واحدة فقط تلخص حجم الدمار الذي يخلفه جشع الرأسمالية.
الفيلم الذي أخرجه جي سي تشاندر في أول تجاربه الطويلة، يحمل إدانة لمجتمع وول ستريت ويرى أنه يدفن نفسه بنفسه بطمعه الذي لا يوقفه شيء سوى الدمار الشامل.
■■