خليل صويلح خليل صويلح

بين قوسين: التفكير بالأقدام!

«إنزال جوي»، «واقعة القاهرة»، «كتيبة الموت للزلزال المدمّر»، هذه بعض عناوين المعركة الرياضية التي جرت وقائعها أخيراً، في المباراة الحاسمة بين مصر والجزائر بمناسبة نهائيات كأس العالم. سيستغرب المرء كيف تصل الكراهية إلى حدها الأقصى بين جمهوري بلدين شقيقين من أجل مباراة في كرة القدم، على مربع صغير من العشب. كان الفريق الجزائري قد فاز في مباراة الذهاب (3/0)، فاشتعلت المعركة من أجل مباراة الإياب.

الجمهور المصري احتشد في ستاد القاهرة بمعدل80 ألف متفرج، وقد استنفرت وسائل الإعلام بما فيها الإعلام الالكتروني في عداء متبادل. هكذا تحوّلت عبارة «العرس الكروي» التي تُستعمل عادةً في المباريات الودية إلى «عرس الدم». حافلة الفريق الجزائري تعرّضت لاعتداء من مناصري الفريق المصري، فجُرح ثلاثة لاعبين جزائريين، كما حوصر الفندق الذي يقيم فيه هذا الفريق بهتافات معادية كنوع من الحرب النفسيّة المدمرة. وردة الجزائرية التي تمنت فوز فريق الجزائر، اتهمتها الصحافة المصرية بالخيانة، مثلما اتهمت الصحافة الجزائرية المغنية اللبنانية نانسي عجرم بالشخلعة والميوعة ومنعها من الغناء في الجزائر، لأنها شجّعت الفريق المصري. معارك طاحنة وحملات الكترونية على شبكة الانترنت بين مشجعي الفريقين، وتدخّل وزراء من البلدين لتهدئة النفوس، إذ وصل الأمر ببعض الصحافيين المصريين إعلان الندم على مساعدة مصر للجزائر في الحصول على استقلالها. من جهتها قامت الصحافة الجزائرية بواجبها الوطني ضد الفريق المصري أثناء فوزها في مرحلة الذهاب، إذ خصصت صحيفة «الخبر» عدداً خاصاً للاحتفاء بهذا النصر العظيم، وعنونت مانشيت الصفحة الأولى «زلزال يضرب القاهرة بقوة 3/0»، إلى عناوين فرعية أخرى مثل «نقل مدرب الفريق المصري إلى غرفة الإنعاش»، و«انتحار المذيع المصري عمرو أديب». المهم فاز الفريق المصري أخيراً في «معركة 14 نوفمبر» بحسب ما أُطلق على هذا اليوم العظيم، ونسي الجمهور المصري مشكلاته المعيشية ليوم واحد على الأقل وعاش حلماً مبهجاً داخل أسوار الملعب، مدفوعاً برغبة وهمية بالانتصار مهما كان شكله أو نوعه. لعلها فلسفة التفكير في الأقدام، مهما حاول معلقو المباريات زخرفتها بعبارات شاعرية عن عبقرية صاحب هذه القدم أو تلك. لا شك أن وسائل الإعلام تضع جهدها في تخدير المشاهد في مناسبات كهذه، لكنني تمنيت ربع هذا الاهتمام لمبارة من نوع آخر تجري وقائعها داخل أسوار القدس القديمة بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وإذا بالخبر يصبح اعتيادياً، من دون أن يثير أحداً، مقارنة بهوجة كرة القدم: «هدم بيوت جديدة في القدس»!