طلقة وضوء العتمة «قد تخطئ وقد تصيب»
(طلقة وضوء العتمة – طلقة الدوالي) مجموعة قصص قصيرة للقاص والناقد محمد سعيد ملا سعيد، وهي تعد المجموعة الثانية له بعد مجموعته (تطير.. أفقا من مطر)، التي صدرت العام 1999.
أسلوب القاص في مجموعته تراوح بين المباشرة وما تعنيه من التقليدية والإنشائية، وبين الأسلوب غير المباشر، ولكن الأسلوب المباشر طغى عليها، ولكننا نضيف أنه حتى في القصص المباشرة كان هناك بعض التجديد خاصة في قضية العناوين الفرعية وأشياء أخرى.
حاول القاص ملا سعيد تجديد أسلوبه بتقطيع القصص إلى مقاطع وإعطاءها عناوين فرعية لكل مقطع، ولم تخل من العناوين الفرعية سوى قصة واحدة هي قصة كامودي... الشاعرية والتي اكتفت بالتقطيع إلى /1 – 2/ فقط، ولقد ادخل هذا التقطيع في الأسلوب شيئاً جديداً وزخرف القصص وأعطاها جمالية خاصة.
وجدت الحوارات الداخلية والخارجية، وكانت هناك سبع قصص حواراتها خارجية وست قصص حواراتها داخلية، أي الحوارات الخارجية أكثر في القصص، والحوارات الخارجية تعني الحوار مع الآخر كيفما كان هذا الأخر، وأينما كان، بينما الحوارات الداخلية تعني الحوار مع الذات ـ مع الأنا، وهي تعني كشف النجوى والمناجاة والتعمق في الداخل، بينما الخارجية هي حوار مع الموجود مع الأشياء والطبيعة والآخر من حوله، إذن الحوارات الداخلية مهمة أكثر فهي دخول إلى عوالم غير المحسوس، والابتعاد في العمق ووجود الحوارات في المجموعة ملآها وزخرفها، وخاصة الداخلية، إذ أظهر قدرة الكاتب على التعميق فيما وراء المحسوس.. ولكننا لم نلحظ في أي من القصص (فلاش باك) أو تلاعبا بالزمن السردي والعودة به للوراء. أما عن التشويق في المجموعة فقصصها ذات تشويق، فخلال القراءة نلحظ أننا نتابع القصص بشوق رغم أنه ليس فيها غرائبية، فنتابع الأحداث بشغف دون أن نصاب بأي ملل، والتشويق يحسب لمصلحة المجموعة، فنحن نقرأ القصص باهتمام حتى النهاية.
الجمل في قصص المجموعة هي جمل متوسطة الطول على الغالب الأعم، سوى قصة واحدة كانت جملها طويلة، ولكن يجب لفت النظر إلى أن الجمل المتوسطة كانت أقرب إلى الطول منها إلى الوسط تماماً.
والجملة المتوسطة تناسب القصة القصيرة نظراً لحجم القصة، رغم أن الجملة القصيرة تناسبها أكثر، لأنها لحظة معينة من الزمن اليومي للإنسان ولغيره من الموجودات، ويناسب ذلك الجمل الملآى بالحركة والانفعال والتلاحم بالأزمنة، ولاحق الحدث إلى آخر ما هنالك من قضايا. ونقول إن استخدام القاص للجملة المتوسطة لابأس به في قصص المجموعة ويحسب له.
الأسلوب السردي للقاص ملا سعيد في مجموعته أسلوب شاعري وفيه جمل شاعرية فعلاً، وهذا الأسلوب أسلوب جيد في سردية القصة القصيرة، وهو جميل يحلي القصة ويزخرفها، ويضيف إليها قضايا جمالية خاصة، ويشوق القارئ على متابعتها، أي ـ هي تساعد على عملية التشويق، وتدع القارئ لا يمل القراءة، واللغة الشاعرية في القصة لا يستطيعها أي قاص.. وهذه أيضاً تحسب للقاص.
أما عن عناوين قصص المجموعة، ونبدأ من عنوان الغلاف (طلقة وضوء العتمة ـ طلقة الدوالي)، فهو عنوان المجموعة ويحمل إيحاءات جيدة وإيماءات بعيدة، وهو يمس العمق ويبتعد عن السطح، أما عناوين القصص ففي أكثريتها عناوين عادية تمس سطح القصص، وهي عناوين تشير وتدل على مضمون القصة، وعدد العناوين العادية ثمانية، أما العناوين الجيدة فهي خمسة عناوين.. والعنوان الجيد كما يتبين يساهم في رفع سوية فنية القصة، ويشارك في جمالية القص.. وإعطاء القصة قيماً ممتعةً وعالية، وبرأيي كان باستطاعة القاص ملا سعيد انتقاء العناوين الجيدة لكل القصص، ودليل ذلك عناوينه الجيدة في القصص السابقة.
مجموعة (طلقة وضوء العتمة ـ طلقة الدوالي) مجموعة جديرة بالقراءة والتأمل، ففيها أشياء جميلة أضافت إلى رصيد الكاتب إضافات لا بأس بها.