لماذا مقاطعة الفنانين بناء على آرائهم السياسية؟!
ليس مستغرباً أبداً أن يناصب أنصار أي من طرفي النزاع في سورية، من يخالفهم بالرأي، العداء والكراهية، حتى دون تفكير؛ بسبب تغييب الوعي الممنهج الذي تعرض له الكثير من أبناء المجتمع العربي في سورية، وعدم قدرتهم على قبول فكرة وجود أي رأي آخر، ولكن حقيقة... إن ما يثير الدهشة هو مقاطعة الشارع السوري – موالياً كان أم معارضاً – لفنان أو فنانة بسبب رأيه أو موقفه السياسي، والتهجم على أولئك الفنانين الذين أحبهم المجتمع السوري من خلال ما قدموه للفن والثقافة في سورية.
ومن المستغرب أيضاً ما يقوم به البعض من محاولات فرض رأيهم عليك، ومهاجمتك بضراوة أحياناً، مطالبين إياك بمقاطعة بعض الفنانين وعدم متابعة أعمالهم أو الاستماع إلى أغانيهم؛ لأن ذلك يعتبر ضرباً من ضروب الخيانة الوطنية، ولأن هذا الفنان كان له رأي أو موقف سياسي معين.
إن الأهم هو ما قام به بعض المثقفين والفنانين السوريين في الفترة الأخيرة حيث استطاعوا أن يرفعوا صوتهم وينخرطوا في صفوف أصحاب المطالب المحقة، مطالبين ببعض حقوقهم كمواطنين سوريين، بعد الإقصاء الطويل والممنهج الذي تعرض له المثقف، والمحاولات المستمرة لإبعاده عن معترك العمل السياسي، وانتقل هؤلاء من مراحل التنظير ومحاولات محاربة الفساد بالفكرة والكلمة، نحو العمل على الأرض والتواصل مع الشارع الذي كتبوا عنه، وجسدوا شخصياته ومعاناتهم طوال عقود من الزمن.
الخطر الحقيقي في هذه الفترة هو محاولة البعض من متطرفي الموالاة أو المعارضة، استهداف المثقفين والفنانين واتهامهم بالخيانة؛ لمجرد أنهم يختلفون بالرأي مع هذا الشارع أو ذاك، والانتقال من مرحلة التخوين اللفظي إلى الاعتداء الجسدي وصولاً إلى الاختطاف والضرب والتهديد بالقتل، وما جرى مع الفنان السوري علي فرزات من اختطاف واعتداء يمثل نموذجاً على رفض الرأي الآخر، ومحاولة إقصائه بأية وسيلة ممكنة حتى باستخدام العنف، وصولاً في بعض الأماكن إلى محاولة التصفية الجسدية.
إن هذه الحالات التي مازلنا نعتبرها شاذة ودخيلة على ثقافة مجتمعنا العربي التعايشية، بدأت تشكل هاجساً للكثيرين، ومع استمرار العنف والعنف المضاد، وغياب صوت العقل، صار التخوف من أن تتحول هذه الحالات إلى ظواهر اجتماعية، ويمسي الاقتتال والصراع وإقصاء أصحاب الرأي المخالف هو الخيار البديل للحوار والتواصل المجتمعي، وهو ما سيؤدي في حال استمراره إلى تفتيت البلاد.
ولكن رغم حملات التجييش والتحريض الواسعة التي يتعرض لها الشعب العربي السوري في هذه الفترة، يبقى الرهان الحقيقي على المخزون الثقافي والحضاري للمجتمع السوري، والمتراكم في الشخصية السورية على مدار سبعة آلاف عام من الحضارة والتعايش والمحبة بين أبناء هذا البلد، ويبقى الأمل في تسخير هذا المخزون الثقافي الهائل للانتقال بمجتمعنا نحو العلمانية والديمقراطية التي يتساوى فيها الجميع.