الرواية المرئية: دراما تستلهم حكاياتها من أعمال أدبية عظيمة
تعيش اللحظات الكبيرة التي يرسمها المبدعون من الروائيين والقصاصين في نفوس الناس ردحا طويلا من الزمن، ذلك انهم يستوقفون المفاصل الحياتية التي تتفلت كل يوم ملايين المرات من بين أيدي الناس دون قدرة على التعبير عنها.
وتخلد الكثير من المواقف والحالات النفسية الإنسانية في النفس البشرية؛ لأنها تخاطب الروح القصية في الناس، ذلك أنها إما أن تكون حالة وقعت لهم، أو ما يشبه الحلم الذي وقع، أو في أحيان كثيرة يكون هو المسافة بين الحلم والواقع الذي تأبى النفوس مبارحته بسهولة أو دون توقف وجداني هنا أو هناك.
لا بد للدراما القوية الجيدة المؤثرة، لكي تحيا في نفوس الناس بعد أن تلامسها، من نص قوي يسندها وترتكز عليه مضافرة روح التميز بالمخرج الفذ، والممثل المتميز، الذي يؤمن بالدور الذي يؤديه ويستطيع أن يتمثله أكثر مما يمثله ويؤديه.
وكما أنها كثيرة هي الأعمال الدرامية التي نجحت وحققت حضورا، إلا أن الكثير أيضا من الأعمال كتبها سيناريست متخصص في الدراما، ووضع هذه الأعمال في مكانة الروايات شهرة وحضورا وتأثيرا وبعدا في نفوس المشاهدين.
وينطبق إلى حد بعيد وصف «الرواية المرئية» على أعمال درامية تتسم بالتأثير الكبير والبين في نفوس الناس من مثل مسلسلات «أرابيسك» و «ليالي الحلمية» و «الشهد والدموع» و«المصراوية» لأسامة أنور عكاشة، إضافة إلى مسلسل «بوابة الحلواني» لمحفوظ عبد الرحمن، ومسلسل «العائلة» لوحيد حامد وغيرها الكثير.
وعن الأثر والانتشار، لا يمكن المقارنة بأي حال من الأحوال بين انتشار الدراما الذي لا يعرف مقداره، وبين انتشار الرواية التي قد تحدد بعدد الطبعات مثلا؛ حتى أن عكاشة الذي ظل حتى رحيله يتمنى لو كان روائيا، يروي أن نجيب محفوظ قال له يوما بأنه «إذا قرأ روايتي مليون فإن روايتك يشاهدها مائة مليون».
الروائي جمال ناجي يعتبر الدراما سلاحا ذا حدين، «فأولا ثمة دراما تثري المشهد الروائي بتفاصيل جديدة قد تكون مضمرة في الرواية، فضلا عن أنها تسهم في نشر أفكار الكاتب على نطاق أوسع خصوصا ونحن نتحدث عن عصر التكنولوجيا والفضائيات».
ويتابع صاحب «عندما تشيخ الذئاب» بأن النوع الثاني من الدراما «يضر بالعمل الروائي ويقدمه بشكل مختلف أو هزيل، وأنا لست مع هذا النوع من الدراما البعيدة عن الحس الروائي».
ويلفت إلى أنه في كل الأحوال فلأن الأمر يعتمد على عناصر متعددة ، ككاتب السيناريو والمخرج وطواقم الممثلين والميزانية المقررة لتنفيذ العمل، رائياً أن لا مبرر لإقحام العمل الروائي في مشاريع فقيرة أو تطوعية «لأنه يسهم في سلق المسألة والتقليل من أهمية العمل الروائي الذي بني النص عليه».
ويعتبر ناجي أن «الرواية الجيدة تعد بصمة غير قابلة للزوال في عالم الأدب والفن، وهي التي تؤكد حضورها وتشق طريقها بقوة حتى لو حُولت إلى عدة أعمال درامية، ومفهوم بالطبع، في سياق العلاقة بين النص الروائي المرئي والمقروء، أنَّ قراءة الرواية تحرر الخيال وتتيح له فرص تخيل الشخوص والأماكن والأحداث بعيدا عن القيود والمطابقات التي يقترحها العمل الدرامي ويفرضها على مخيلة المشاهد».
الفنان جميل عواد يقول إن وصف الدراما بالرواية المرئية حقيقي إلى حد ما، لافتا إلى عدم جواز القول بأي حال بأن «الدراما هي منافس أو بديل للدراما؛ ذلك أننا نتحدث عن حقلين خصبين لكل منهما معطياته وتفاصيله التي لا يجوز أن تتداخل مع الآخر».
ويضيف عواد أن «للرواية متعة خاصة وهي متعة القراءة فيما للدراما متعة المشاهدة والسماع ؛ فلكل منهما متعته الخاصة لكنها لا تتطابق مع الآخر في أي حال».
ولا يعتبر أن الرواية أصدق أو اقل صدقا من الدراما؛ لأنه كما يوجد عمل درامي جيد وآخر اقل جودة فإننا نلمس عملا روائيا مبهرا ويحمل قيما روائية وآخر لا يحمل من اسم الرواية إلا اسمه، ولكننا بالنتيجة نستطيع القول إن هناك عملا دراميا جيدا أو عملا روائيا جيدا دون مفاضلة بين هذا وذاك إذ «هما حقلان إبداعيان مختلفان».
فيما يرى المنتج عصام حجاوي أن الدراما تنافس الرواية إلى حد بعيد، غير مغفل أن للكتاب الورقي وتحديدا إذا كان رواية، «خصوصية ومذاقا فريدا وهو بحكم العادة وما درجنا عليه لا توازيه أي متعة ولا ينافسه أي جليس آخر».
ويلفت إلى أن الدراما قد تكون أكثر متعة من الرواية بسبب أن المتلقي «يرى بين يديه حياة مضرمة من الأشياء والناس والأفكار والتفاعلات تصاحبها المؤثرات الصوتية التي تساعد على إيصال الفكرة دون استحثاث لخيال المتلقي كما في الرواية».
ويؤكد أن الدراما اشد تأثيرا في المتلقي كونها تنتشر أكثر من الرواية أو الكتاب الورقي عموما، معتبرا أن «الأثر الثقافي/ التثقيفي للكتاب أكثر وأعمق كونه يغوص في الأفكار والرؤى التي يستطيع الكاتب أن يتمدد فيها أكثر من حالة العمل الدرامي الخاصة جدا في أحوال كثيرة».