محمد خالد رمضان محمد خالد رمضان

«عصا موسى» على تخوم قصيدة النثر

 «عصا موسى» مجموعة قصصية قصيرة جداً لأيمن الحسن، وقد صدرت عن دار «النمير».. بداية أقول إن القصة القصيرة جداً هي بالأساس قصة قصيرة ينطبق عليها ما ينطبق على القصة القصيرة في كل شيء، زد على ذلك بعض القضايا الخاصة بالقصة القصيرة جداً من حيث التكثيف وأسلوب البناء والدهشة والمفارقة، والقرب من القصيدة الحرة (قصيدة النثر) وغير ذلك من الأمور، لذا سأحاكم مجموعة «عصا موسى» ضمن هذا الإطار. 

 

 أسلوب الكاتب في كتابته للقصة القصيرة جداً أسلوب مباشر، فقصصه واضحة الجمل والتعبيرات، علماً بأن القصة القصيرة جداً لا تقبل مثل هذا الوضوح.

في المجموعة أربع قصص فقط كتبت بضمير المتكلم، علماً أن طبيعة هذا الفن لا تقبل «الهو» بل تقبل المتكلم أكثر، فهي ذات طبيعة وجدانية ذاتية، وبرأيي لو كتبت الضمائر بالمتكلم لكانت القصص أحلى.

أفعال القصص كانت غالبيتها مكتوبة بأسلوب الفعل الماضي، أي كأن الأحداث جرت من أزمان بعيدة عنا، لا ندري متى حدثت، ونحن لا دخل لنا فيها، ولا يد لنا في حدوثها، بل نحن متفرجون عليها.

مع العلم أنه في مثل تلك القصص القصيرة جداً من الأجمل أن تكون الأفعال مضارعة لآنية اللقطة، وخصوصيتها، وطزاجتها، لأنها مكثفة، كل هذه القضايا تقتضي وجود المضارع، لأن زمنه آني أي هو في زمن اللحظة، وهو يشارك في الحدث الساخن، ويساهم في الفعل، وله حركيته وعمله، فالمضارع وجود حي له فعاليته التي لا تنتهي سريعاً، المضارع لغة العصر اليومية الدافئة، لغة الفعل، لغة تتناسب مع الحديث.

جمل القصص كلها كانت من النوع المتوسط التي لا تناسب لغة القصة القصيرة جداً، إذ تناسبها الجملة القصيرة المتوترة، المحركة التي تختزل الأشياء لا الأحداث، الجملة الوسط تناسب القصة القصيرة والرواية، وكان يمكن للكاتب اختصار جملته المتوسطة أيضاً ولكنه لم يفعل.

لقد استطاع الكاتب تكثيف قصصه، والتكثيف أحد السمات الهامة في القصة القصيرة جداً، فلقد أبعد الأشياء المحيطة، وحركة بعض الأحداث، بل والأحداث ذاتها أحياناً، لذا أتت قصصه على هذا الشكل من القص القصير جداً، وتمكن القاص من ذلك بشكل جيد دون تعب.

التشويق في المجموعة شكل ظاهرة جميلة، وهو بحد ذاته من سمات القصة القصيرة جداً، وهو يقرب القارئ من العمل، التشويق في المجموعة من النوع الذي يشد شداً محكماً، وهو ليس تشويقاً مجانياً بل هو لجمالية القصة وجمالية شكلها، وفنيتها.

في القصة القصيرة جداً يجب أن يكون العنوان أحد روافع العمل، فماذا وجدنا في عناوين مجموعة «عصا موسى»؟ كل عناوين القصص عادية، بل هي عادية جداً في بعضها الآخر.

وجدت الشاعرية في كل قصص مجموعة «عصا موسى»، وهذا من ضروريات القصة القصيرة جداً، فهي مكثفة وقصيرة فلا تحتمل وجود الأسلوب غير الشاعري، في المجموعة سادت اللغة الشاعرية في كثير من القصص، وفي بعضها غابت، وليت القاص كتب كل قصصه بالأسلوب الشاعري لكان هذا أفضل وأجمل.. أما عن المفارقة فيها، فكانت موجودة في الغالبية المطلقة من القصص، والمفارقة سمة واجبة من سمات هذا النوع، فهي إدهاش ودهشة. فالمفارقة تأتي نتيجة مفاجأة في نهاية القصة القصيرة جداً، ووجودها بهذا الشكل الكثيف في قصص المجموعة رفع من سويتها الفنية عالياً، أعطاها طابع القصة القصيرة جداً، إذ أن المفارقة تحدد نوعية هذا العمل وتعطيه صفته وسمته النوعية.