منار ديب منار ديب

المقالات الصهيونية المدسوسة

نشرت «مجلة الدراسات الفلسطينية» الفصلية في عددها الأخير دراسة على جانب كبير من الأهمية للدكتور محمود محارب الأستاذ في دائرة العلوم السياسية في جامعة القدس بعنوان «المقالات الصهيونية المدسوسة في الصحف اللبنانية والسورية 1936 – 1939» وهي تتناول نشاط جهاز الاستخبارات التابع للدائرة السياسية في الوكالة اليهودية لاستقطاب عدد من الصحف والصحافيين في سورية ولبنان ونشر مقالات تعكس وجهة النظر الصهيونية بشكل غير مباشر، وتسعى لتخفيف اللهجة العدائية ضد المشروع الاستعماري في فلسطين عبر صرف الاهتمام نحو قضايا أخرى، أو إثارة الانتقادات المفتعلة ضد بعض ممارسات الحركة الوطنية الفلسطينية، هذا العمل الذي تم في الفترة التي تولى فيها موشي شرتوك الإدارة السياسية في الوكالة ساهم بالقسط الوافر منه العميل إلياهو ساسون المولود في دمشق والذي كان يتكلم العربية بطلاقة، وكان يقدم لأصحاب الصحف مقابلاً مادياً لقاء كل مقالة تنشر (ما بين جنيه فلسطيني وجنيه ونصف) ووصل نشاط الوكالة اليهودية إعلامياً إلى القاهرة حيث أسست «وكالة الشرق» للأنباء التي كانت تزود الصحف بأخبار فلسطين بعد أن تتم قولبتها بما يخدم المصالح الصهيونية.

 

قد تبدو هذه المعلومات صادمة لقارئ اليوم خاصة إذا علمنا أنه تم نشر 280 مقالاً في الصحف السورية واللبنانية بين عامي 38 و39 وأن هذا التعاون شمل معظم الصحف الصادرة في تلك الفترة ومن بينها صحف مهمة كـ «الأيام» الدمشقية و«النهار» البيروتية، كما وصل نشاط ساسون إلى حلب أيضاً، حيث التقى بشخصيات معروفة واتفق معها بشكل صريح، ومن بينها محرر جريدة «العهد الجديد» اللبنانية خير الدين الأحدب الذي أصبح لاحقاً رئيساً لوزراء لبنان، وإذا كان الأرشيف الصهيوني المركزي  أبرز مصادر الدكتور محارب قد يتعرض للتشكيك لأسباب سياسية وليست علمية، فإن وجود نسخ من أعداد هذه الصحف تجعل الطرح بعيداً عن أن يرقى إليه الشك.

وإذا كان وضع الأشياء في سياقها التاريخي قد يفسر جزئياً ظاهرة من هذا النوع، كقلة إدراك خطر الصهيونية وضعف التواصل بين البلاد العربية بحيث لانفاجأ حين تقدم أميرة مصرية قطعة أرض لها على طريق القاهرة – الاسكندرية للحركة الصهيونية للتدريب على السلاح.

وإذا كانت مصر لها ظروفها الخاصة ثقافياً وسياسياً في تلك المرحلة، فإن من المفاجئ أن يحدث اختراق من هذا النوع في الساحة السورية التي كانت تعتبر قاعدة الحركة الوطنية الفلسطينية، وهو الأمر غير المفاجئ في الساحة اللبنانية مثلاً حيث عقدت شخصيات قيادية مارونية اتفاقاً سرياً مبكراً مع الوكالة اليهودية، وهو الأمر الموثق.

لكن هذه الحوادث المبكرة تشير إلى استعداد ليس بجديد لدى بعض العاملين في الإعلام للشراء والاستئجار، مع خطورة دورهم في تشكيل الرأي العام، وإلى تلك الهوة التي فصلت ومازالت تفصل بعض النخب عن قضايا حية وساخنة وعادلة بالبداهة، فالانحياز للحق الفلسطيني لا يحتاج إلا انتماءً عروبياً بالضرورة بل لحساسية إنسانية وميزان ضميري يفترض بالمثقف أن يمثله.

اليوم يتفشى الخطاب الصهيوني الملتبس في جزء كبير من الإعلام الناطق باللغة العربية، لكن المفارقة أن من يمول هذا الإعلام هم العرب أنفسهم، هل هو استلاب أم غربة عن الذات، ألم نسمع بصحفي كويتي أخيراً يعنون مقالة له بـ «بالكيماوي يا أولمرت» تعليقاً على عدوان غزة، بينما يرى صحفي لبناني يعتقد أنه مفكر يعمل في جريدة سعودية أن الاستسلام هو الحل.