ماذا تقول يا صاحبي " القامات الوطنية "
●ها هو نيسان يطل علينا فاتحا صدره المزهر لذكرى الجلاء المجيد ذكرى اندحار قوات الاحتلال الفرنسي والإنكيزي عن ثرى أرضنا الطيّبة الحرّة...وملء العيون والقلوب والعقول الكثير الكثير من أحداث الماضي المشّرف، وأنت يا صاحبي ألا ترن في مسمعيك أصداء من قصائد شعرائنا المبدعين، وهم يستقبلون نيسان شهر الحرية والانعتاق!!
• بلى، وهل يمكن لنا أن ننسى تلك الأبيات الرائعة التي تتغنى بنضال شعبنا، وتمجد بطولات ثواره الميامين البواسل، وهم يجابهون قطعان الغزاة والمحتلين. ومن منا لايتذكر قول شاعرنا وصفي القرنفلي:
كلّما همّ فاتح أو غزانا
ضاع في السفح واستطالت ذرانا
وقول بدويّ الجبل:
جلونا الفاتحين فلا غدواً
ترى للفاتحين .... ولا رواحا
● نعم وفي الوقت عينه، تشع أسماء العشرات العشرات من كواكب مواكبه الذين يضيق المجال الرحب عن مجرد ذكر أسمائهم، وهم مشاعلنا المتوهجة دائما وأبدا في سماء بلادنا الحبيبة، تنير لنا درب الفداء والخلاص والكرامة، ولن أجافي الحقيقة إن قلت: إنهم نبضات نشيدنا الوطنيّ الصدّاح، ودفقات لحنه الآسر، وخفقات علمنا الذي ضمّ شمل البلاد، وقد استمدّ ألوانه من سواد العيون واخضرار أرضنا المعطاء ونهاراتها المشرقة، ومن دم شهدائنا، من شموخ قاماتهم الوطنية، من يوسف العظمة إلى الطيّب شربك وشهداء البرلمان!
• أجل، وحريّ بنا ونحن في رحاب ذكرى ملحمة الجلاء العظيم، وبكل الفخر والوفاء، أن نستلهم الثقة والأمل والعزيمة ممن اجترحوا المعجزات، وأطلعوا شمس الحرية والاستقلال..!
●ومن تاريخ الآباء والأجداد سأروي للأجيال الشابة بعضا من سير أبطالنا الوطنيين، وسأقتصر حديثي اليوم على ثلاثة منهم وهم:
الأول محمد الأشمر ابن حيّ ا لميدان بدمشق. ذلك الشيخ المجاهد الجليل المعتدل القامة والهادئ الطبع، والذي لا يستثار إلا للحق، ذو الشخصية القوية والشجاعة الفائقة والسجل الحافل بالكفاح في العديد من المعارك، وأشهرها معارك جسرين والطويلة وحمورية والزور الثانية وجسر تورا والنشابية التي خاضها وهو يرتدي الثوب الأبيض استعدادا للشهادة.. إنه الشهم الذي عاش ومات فقيرا وكثير منا يذكر أن «بعضهم» عرض عليه المال الطائل ليتوقف عن مقاومة المحتل الفرنسي، فقال جملته المشهورة: «أنا لا أحارب من أجل المال، بل من أجل الاستقلال». وفي خمسينات القرن الماضي بعد الاستقلال، اختير ممثلا لجمعية أنصار السلام في سورية ولبنان باعتباره شخصية شعبية وجماهيرية بارزة، ومجاهدا صلبا، وقد حاز على جائزة لينين للسلام.
والثاني هو الثائر أحمد بارافي أبو محمود من حيّ الأكراد بدمشق الذي تربّى على التقاليد الوطنية لهذا الحيّ الشعبي العريق، فكانت حياته زاخرة بمقارعة الاحتلال وبخاصة في معركة قطنا المشهورة التي اقترنت باسمه ومن مواقفه المشرفة قتاله المستميت حين حاصره الفرنسيون في داره حيث اشتبك معهم لمدة خمس ساعات، وأمه تزغرد مشجعة، وهي تنادي: اليوم يومك يا أحمد!! وهو يزداد حماسة في تصديه، حتى استطاع النجاة من الحصار بعد أن قتل اثنين وجرح ستة من الفرنسيين، وانطلق إلى الغوطة ليواصل قتاله، ولتكتحل عيناه برؤية العلم الوطني يخفق في سماء سورية الحرة.
والثالث هو الثائر عمر البلهوان ابن حيّ قبر عاتكة بدمشق، ذو المكانة المحترمة والرأي الحكيم السديد، والكلمة المسموعة، والذي يذكر عنه وبكل التقدير، أنه كان من أكثر المساهمين في حشد صفوف الوطنيين عام 1919 قبيل اقتحام القوات الفرنسية لمدينة دمشق، ففي منزله وبمبادرة منه اجتمع قرابة مئة رجل يمثلون جميع أحياء دمشق حيث وقف أمامهم ليقول: «لقد اجتمعنا اليوم لنقسم ألا نخون بلادنا، وألا ندع الأجنبي يدخل أرض وطننا إلا على أجسادنا»، وبالفعل فقد شارك، وبكل الحمية والبسالة في معركة ميسلون الخالدة. وحين دخل الفرنسيون دمشق اقتحموا داره ونهبوا كل ما فيها من مال وأثاث، وحكموا عليه في 9 أيار عام1920 بالإعدام لكنه استطاع الإفلات من مخالبهم، وظل طوال فترة الاحتلال في صفوف الثوار، وقد تنسم مع شعبه أريج الاستقلال الوطني، وظل على قيد الحياة بين أبنائه وأحفاده حتى وافته المنية عام 1969
هؤلاء بعض من القامات الوطنية الشامخة من ثوارنا الأبطال، وكما قيل بحق: «إن هذا الشعب المجيد، وهذه الأرض الحرة الطيبة لن تتوقف عن إنجاب الوطنيين الأبطال»... فماذا تقول يا صاحبي؟؟!