لعبة الراء عذرا من كل اللغويين
للحروف تاريخ... تتوالى فيه الأحداث وتنقلب الموازين وتتبدل المواقع كما يحدث في تاريخ الأمم...!
يقف الراء بين الحروف خجلاً... يخطئ الصغار في نطقه فيضحك الكبار.
في تموز حدث انقلاب ما... تغير وجه التاريخ.. وبدأ عصر جديد لم يسمع به المؤرخون بعد.
قبل تموز كان الراء صعباًً... تخطئ بلفظه أمام الآخرين فتصغي آذانهم وتحاصرك عيونهم.
بعد تموز... أصبح الراء عظيماً.. يلثغ به صغير أمامك فينتفض بداخلك بطل ما..!!
أقف خلف نافذتي.. أراقبهم.. أطفال مدرستي ابتكروا لعبة جديدة، لم أعرفها في طفولتي، يستهويني الفضول ويشدني لمعرفة ما يفعلون؟
ينقسمون فريقين.. ويختارون زعيماً.. ينتخبونه بطريقة غريبة لا يعرفها التاريخ وحكامه.
يعددون ما يعرفونه من أسماء مدن ٍ يجمعها حرف الراء. بشرط: أن يخطئ في لفظه: من يلفظ الراء صحيحة ً لا تحتسب له..! و تتوالى الأسماء على مسمعي:«بيذوت.. ماذون الذاس.. صوذ... مذوحين..
بنت جبيل..» ويعترض أحدهم : خطأ ليس فيها راء..؟ ويجيبه آخر: ولكنها هناك!
وتعلو أصواتهم ويشتد النقاش بين من يقبلها: (لأنها أيضاًً هناك) ومن يرفضها: (لأنها خالفت قواعد اللعبة).
في النهاية يرضخ المعترض الصغير بعد أن أجمعوا عليه وعليها..!
الذين استطاعوا أن يلثغوا بالراء أكثر.. يصبحون فريقاً وقائدهم ليس فقط من تحفظ ذاكرته أسماء المدن، بل من يقرأها كما يريدون..! يخلع أحدهم صدريته، يلفونها، ويلبسون زعيمهم عمامة!
أما الباقون فيصبحون الفريق الآخر.. وعلى الأرض يرسمون خطوطاً. هنا تبدأ اللعبة.
يقف الفريق الآخر داخل الخطوط.. يحمل أفراده الصغار طباشير.. عليهم أن يمسحوا تلك الخطوط ويعيدوا رسمها من جديد.. وعلى صغار الراء أن يمنعوهم وإلا أصبحوا لهم خدماً!!
أقف خلف نافذتي أراقبهم بذهول: يكمل الصغار لعبتهم.. الزعيم يوجههم، يلقي أوامره على فريقه ويلثغ بكل راء يمر بها.. يتصايحون.. يجس كل فريق نبض الآخر.. يختبرون بعضهم، ثم.. يلتحمون.. يحاول بعضهم أن يتسلل فيلتقطهم فريق الراء ويأخذونهم بعيداً..
يرن الجرس.. أستيقظ من ذهولي.. يترك الأطفال لعبتهم ويتجمعون لدخول صفوفهم..
رؤوس المحللين وفقهاء السياسة تملأ الشاشات... يتجادلون، يتنبؤن، يرسمون تواريخ.. لكنهم لا يفهمون أسرار الحروف التي اكتشفها الصغار..