صفر بالسلوك حمصي.. حمصي
لا يمكن لشعب مثلنا أن يعيش بدون وجود الحمصي، والحمصي هو الضمير الذي يتحمل كل الانكسارات والهزائم ويعكسها على شكل نكتة يكون فيها الآخرون هم المنتصرون بالنهاية، ولا يهتم الحمصي بالفوز أو الخسارة باستثناء جمهور الكرامة، فالمهم عند الحمصي هو أن يضحك الناس، وإذا كانوا يضحكون على بلواهم، فهذه قمة أهداف الحمصي.
الحمصي هو الذي يجعل من كل شيء مقبولاً بواسطة الضحك، الحمصي ينفّس كل المواضيع الضخمة بلفتة ذكية ومفاجئة.
الحمصي هو البطل الكوميدي الذي يرفض أن يسلم قواه الضاحكة للأعداء، أعداء الضحك والحياة.
الحمصي هو الذي يصبّرنا على حياتنا ويجعل من همومنا ومشاكلنا العصية على الفهم على ما يبدو إلى نكتة ضاحكة نتداولها، فيبقى ما يبقى منها، وينتهي ما ينتهي بانتهاء المرحلة التي كانت هذه النكتة من ضروراتها، ويكفي الحمصي فخراً أنه رمزنا الكوميدي نحن السوريين، وأن ما من طفل لم يقل هذه الجملة الشهيرة «مرة كان في واحد حمصي»، وما من رجل أو امرأة في سورية لم يسمع بنكتة بطلها الحمصي، الحمصي هو اختراعنا الذي نفخر بأن دول الجوار بدأت تسمع به أيضاً، والحمصي يختلف عن باقي الأبطال من الدول المجاورة كأبو عبدو البيروتي الذي يكاد يدور في حلقة واحدة رتيبة ومملة، بالإضافة إلى أن أحداً لم يحدّث في نكاته كما يتم التحديث عندنا مع الحمصي، ويتفوق الحمصي على الطفيلي الأردني نسبة إلى قريته «الطفيلة»، فالطفيلي أيضاً يعاني من تكرار طرق تأليف النكات الأردنية عليهم، وأحدث نكتة حوله كانت تتعلق بالمفارقة بين الدش والمنسف، ومن هالقصص اللي صرتم حافظينها ظهراً عن قلب، بينما ما زال الصعيدي تائهاً في نكات تتعلق بالمصاعد الكهربائية والسشوار وهذا يعني أن الانفتاح لم يصل إلى الصعايدة بعد، بينما يستمر الحمصي بتألقه وبتجدده، ففي كل عرس له قرص، إنه ابن الأزمات ووجهها الضاحك، إنه القادم من الخيبات والانكسارات بذكاء وخفة، إنه الشخص الحنون الذي يمسح دموع مآسينا في الوقت المناسب، بالإضافة إلى أنه استطاع أن يحجز مكان جحا في زمن قياسي، حتى بات جحا من التراث، وبقي الحمصي وحده على ساحات قلوبنا بطلنا الأثير، إنه ضمير الشعب، في كل مناسبة له موقف، ولم يتأخر مرة عن أداء واجبه، وكم من مرة عند المفترقات الشعبية الكبرى كنت أنتظر رأي الحمصي وموقفه وابتكاره، في كل مرة كنت أقول أن الحمصي سيعتزل هذه المرة ولكن هيهات، فروح الحمصي تواقة لمواساة الحزانى والوقوف بجانبهم، الحمصي أيقونتنا الأخيرة في زمن الكوميديا المسرحية البشعة والتلفزيونية الأبشعين، فالحمصي لا يتزحلق على قشور الموز لنضحك، ليس رخيصاً إلى هذا الحد، والحمصي لا يكذب ولا يقصر بنطلونه أو يشوه شكله، ليس تافهاً أبداً، والحمصي لا يتعمد السخرية، ليس غبياً إلى هذا الحد، الحمصي هو الإشارة الراقية من الشعب كي يتنحى الغلظاء جانباً ويحلُّوا عن كتف الكوميديا والإضحاك بقى.