في عاصمة الثقافة العربية: صناعة المهرجانات بدلاً من صناعة السينما!!

يبدو أن تطوير مهرجان دمشق السينمائي وجعله مهرجاناً دولياً فد أصبح هاجساً لدى القائمين على مؤسسة السينما، حيث حملت النشرة اليومية للمهرجان في عددها الأول عنوان: «...وعاصمة للسينما أيضاً»، وهذا المانشيت يجسّد رغبة المؤسسة في وضع اسم سورية على الخارطة السينمائية العالمية عبر المهرجان، لا عبر الإنتاج السينمائي الفعلي. فأصبح تنظيم المهرجانات المتتالية على ما يبدو بديلاً عن وضع خطط للنهوض بالحالة السينمائية السورية، وتقديم الدعم لنشوء صناعة سينما محلية.

لن نناقش هنا طويلاً حول أهمية وجود مهرجان سينمائي دولي في بلد لا يحوي إنتاجاً سينمائياً حقيقياً، فهذا الموضوع قد نوقش كثيراً، وإنما سنحاول أن نجيب على السؤال التالي: هل نجح القائمون على شؤوننا الثقافية بصناعة المهرجانات السينمائية الدولية بعد أن فشلوا فشلاً ذريعاً في صناعة السينما؟

أكبر دورة في تاريخ المهرجان!!

شهدت الدورة الحالية للمهرجان على المستوى التنظيمي تطوراً ملموساً، حيث جهد منظموها لتلبية كل الشروط التي يفرضها اتحاد المنتجين الدوليين لاعتبار المهرجان أحد المهرجانات السينمائية الدولية المعترف بها عالمياً، وهكذا رصدت للمهرجان ميزانية كبيرة نسبياً، بلغت ما يقارب المليون دولار، وتم إمداد صالات العرض بما أمكن توفيره من أدوات العرض السينمائي الحديثة، ووفرت لضيوف المهرجان استضافة لائقة في أرقى فنادق المدينة.

ولكن كل هذه الإجراءات لم تقِ جمهور المهرجان من المشاكل المعتادة التي ألفها في المهرجانات الماضية، فلا تحسن مستوى التنظيم منع نشوب القلاقل على مداخل دور العرض (كما حدث في صالتي سينما الكندي وسينما الشام)؛ ولا الاهتمام المتزايد بالجانب الإعلامي للمهرجان وقى الصحفيين والإعلاميين من سوء المعاملة (كما حدث لفريق التغطية الإعلامية التابع لتلفزيون الدنيا الذي اضطر أفراده للدخول في مشادة مع بعض حرس المهرجان غير اللبقين)؛ ولا تطوير تجهيزات العرض أدى إلى تحسين السوية الفنية لعرض الأفلام، ففضلاً عن رداءة ترجمة الأفلام في الكثير من الحالات، عانى المشاهدون في بعض الحالات من انقطاع وتوقف عرض الأفلام.

مكرمون ومغيبون

أثارت أسماء المكرمين في المهرجان الكثير من الحيرة والاستغراب، فعلى الرغم من أن منظمي المهرجان نجحوا باستقطاب عدد من نجوم السينما المهمين على المستوى الدولي، لتكريمهم ضمن فعاليات المهرجان فإن أسماء المكرمين من السوريين طرحت الكثير من التساؤلات حول معايير التكريم، حيث كان معظمهم من ممثلي ومخرجي الدراما التلفزيونية السورية ذوي التجربة السينمائية المحدودة، وهكذا تجاورت أسماء كل من الممثلة الإيطالية كلاوديا كاردينالي ومواطنها الممثل فرانكو نيرو والممثل الأمريكي ريتشارد هاريسون والمخرج التشيكي يان سفيراك مع أسماء كل من سلاف فواخرجي وأيمن زيدان والمخرج التلفزيوني هيثم حقي!!! هذا فضلاً عن تكريم المغني اللبناني وليد توفيق الذي لا نعلم على أي أساس تمّ تقييم إسهاماته في تاريخ السينما العربية!!

ووسط ضجة هذه التكريمات تساءل الكثيرون عن سبب تغييب أسماء عدد مهم من السينمائيين السوريين الحقيقيين الذين لم توجه لهم مجرد دعوة لحضور حفل  افتتاح المهرجان.

المسابقة الرسمية وجوائزها

على الرغم من أن برنامج المسابقة الرسمية للأفلام قد حوى أعمالاً مهمة لسينمائيين كبار كالأخوين دارين من بلجيكا، ومجيد مجيدي من إيران، ويان سفيراك من التشيك، فإن تصريحات المخرج الفرنسي إيف بواسيه رئيس لجنة تحكيم الأفلام الطويلة جاءت متوافقة مع آراء العديد من حضور المهرجان، حيث قال بواسيه: «برأيي وبرأي لجنة التحكيم أن مستوى الأفلام كان متوسطاً فلم نجد بينها تلك التحفة الفنية... ينبغي أن يكون هناك اختيار أقسى للأفلام... فليكن عدد الأفلام أقل لكن لتكن سويتها عالية».

إن هذه التصريحات لا تحتاج إلى تعليق، ويمكنها أن تفسر لنا نتائج المسابقة التي لم تعجب الكثيرين، حيث فاز الفيلم التشيكي «القوارير المستعادة» بالجائزة الأولى للمهرجان رغم أنه لم يحظَ بالكثير من الشعبية والاهتمام الجماهيري.

سينما دون رقابة

لعل من أهم النقاط الإيجابية التي حواها المهرجان الحالي هو غياب الرقابة غياباً تاماً عن كل العروض السينمائية التي عرضت في المهرجان، وهذه ظاهرة فريدة في تاريخ الثقافة السورية، حيث تمكن المشاهدون من متابعة كل ما يغيبه مقص الرقيب عادةً عن وعي المشاهد العربي، ولكن للأسف الشديد فإن تغييب الرقابة لم يكن نتيجةً لقرار محلي اتخذته الهيئات الثقافية الوصائية، بل كان نتيجةً لإملاءات إتحاد المنتجين الدوليين الذي اعتبر غياب الرقابة شرطاً أساسياً لتقبل المهرجان على المستوى الدولي. 

في الختام نقول أن المؤسسة العامة للسينما ربما استطاعت تنظيم مهرجان سينمائي شبيه إلى حد ما بالمهرجانات السينمائية الدولية، وقد نشهد قريباً انضمامها إلى اتحاد المنتجين الدوليين، ولكن في كل الأحوال يبقى الطريق أمامنا طويلاً جداً حتى تصبح دمشق «عاصمة للسينما أيضاً».