مهرجان القامشلي الشعري بغياب شعرائها!
كثيراً ما حاولت أن أتجاهل المهرجان الشعري الذي يتم في مدينة القامشلي مسقط القصائد والحبّ والحلم، والذي بات يتوجّه- بأسف- في غير ذلك المنحى الذي أراده له المبدعون الذين أطلقوه، وفي طليعتهم الشعراء الجميلون د. أديب محمد، محمد المطرود، أحمد حيدر، وربّما آخرون لا تحضرني أسماؤهم، وكان اسمي شخصياً أوّل من يشطب عليه، ولا يزال، ممن يتحكمون به، من وراء الكواليس، ومن ضمنها، ومن أمامها، مع إن هذا المهرجان أصبح في عامه الرابع، ولأحدّد هذه الجهة تماماً : مديرية الثقافة في الحسكة، والتي يديرها زميل لنا شاعر، وهو من تدخّل في السنة الماضية لشطب اسمي شخصياً، كي تصل الأمور في هذا العام إلى درجة تغييب أسماء بعض مؤسسي المهرجان، والمشاركين فيه خلال الأعوام السابقة، و كنت حين سمعت بما قام به ذلك الشاعر، آنذاك، والذي يستخدم سلطة كرسيه، فحسب، بعيداً عن روح الشاعر المفترضة فيه، أطلقت قهقهة مدوية، قائلاً : ثمة وسام حصلت عليه، وهو أن أكون الوحيد الذي يستبعد- بشكل مقصود- من المشاركة في فعاليات مهرجان شعري في مدينة، كنت- كما أزعم - من أوائل الذين خدموها، وخدموا الكلمة والشعر والشعراء فيها، بيد إنه – هيهات- لأحد في عصر الثورة المعلوماتية، أن يطفىء موهبة، ويسكت قلماً، حيث باتت كل الرّقابات التي تريد تكميم الأفواه، وحرق الكتب تسقط متهاوية، ولاسيما إنه صار في مكنة أي مبدع الدعوة إلى أمسية شعرية له، وهو في بيته، يحضرها محبو الكلمة، على امتداد خريطة العالم! حقّا ً، لا أريد أن أقترب من شخص مدير الثقافة، على اعتباره أحد الذين كنا نكتب الشعر في منطقة الجزيرة، قبل ربع قرن من الزمان، وأكثر، كلّ بإمكاناته، وحسب طريقته، ورؤاه، وها نحن الآن في جمعية واحدة للشعر في اتحاد الكتاب العرب، وإن قصتي مع هذا الزميل، أترفّع عن الخوض في تفاصيلها، بل فقط أكتفي بالإشارة إلى إنه سبق وإن ألغى أكثر من أمسية لي في مركزي الحسكة والقامشلي، منذ توليه إدارة الثقافة في محافظة الحسكة، كي يعيد استنساخ تلك الممارسة التي تمّت ضدّي في العام 1986، بعيد طباعة مجموعتي الأولى «للعشق للقبرات والمسافة»، واستمرّت لأكثر من عشرة أعوام،كي تنتهي- شكلياً- مع قبولي بعد طول اضطهاد في اتحاد الكتاب العرب.
لعلّ ما أثارني حقا ً هو اتساع قائمة الممنوعين في هذا العام، بعد أن كانت- رسمياً- مؤلّفةً من شخص واحد هو أنا، رغم أن أحد القائمين على المهرجان تبجّح بالقول: لقد اخترنا شعراء متميزين من المحافظات السورية كافة، وأنا أوافقه على أنّ من بين الأسماء المتخيّرة نخبة من الأسماء السورية المهمّة، بيد أن الملاحظ غياب أسماء مهمّة جدا ًمن محافظة الحسكة، معروفة على نطاق واسع جداً، بات تغييبها المتواصل ملفتاً، لا يطاق، بل يدعو لأن نضع صورة ما حدث برسم السيد وزير الثقافة السوري، شخصياً، كمسؤول ومثقف، بل والغيارى والشرفاء كافة ممن يهمهم الأمر حقاً؟ ولعلّي كأوّل تضامن منّي مع هذا المهرجان قمت بتـأجيل فعاليات مهرجان شعري آخر، كان سيقام في هذه المدينة، بشكل غير رسمي، في التوقيت نفسه، احتراماً للشعر، والكلمة، والضيوف الشعراء، بل ومؤسّسي هذا المهرجان الذي سأكون بالتأكيد ذات يوم من عداد المساهمين فيه، من أبناء مدينتي، ذلك لأنني طالما فتحت قلبي لهم ضمن حدود إمكاناتي، في بداية تجاربهم، حيث كانوا وما زالوا إخوة أعزاء فمرحى لهم، أصدقاء وإخوة و مبدعين حقيقيين! ولعلي سأظل أتذكر كيف أنني في ثمانينيات القرن الماضي كنت من عداد المشاركين في مهرجان كان سيقام بمناسبة يوم الأرض، في ثقافي القامشلي نفسه، وحين منع أحد زملائي من المشاركين من رئيسه، وكان كردياً – أي رئيس المركز- طالما آذاني بما استطاع، لإصرار ذلك الزميل على استخدام كلمة بذيئة في قصيدته، هو اسم «عاهرة» كانت شهيرة، ولقد ذكرني الصديق الشاعر مرفان كلش بذلك في آخر لقاء تم بيننا في أوربا، إلا أن ذلك الشاعر أصرّ على عدم حذف تلك الكلمة، فقاطعت ذلك المهرجان، تضامنا ً معه، كي يشارك زميلي ذاك نفسه، في نشاطات تالية في مركز المدينة نفسه طوال فترة منعي!
تحية للزملاء الذين كانوا وراء تأسيس وإطلاق هذا المهرجان، حتى وإن لم يسمح لهم في هذا العام بأن يشاركوا فيه، كما يرغبون، إلا بما دأبوا على تقديمه-في كل مهرجان - من جيوبهم، ليتمّ إنجاحه. تحية للشعراء الضيوف واحداً واحداً، في قامشلي الشعر، والطيبة، وحبّ الوطن والناس! وفي انتظار مهرجان شعري، لهذه المدينة، يمثل نبضها، ووجهها الحقيقيين، ولا يمارس فيه القمع ضدّ أي صوت شعري أصيل، وما أكثر مثل هذه الأصوات في هذه المنطقة المعطاء، عرباً وكردا ً وآثوريين، وسريان، وأرمن، ومن كل فسيفساء محافظتنا الجميل!