محمد المطرود محمد المطرود

عطالة الحياة.. حين تصبح الأشياء ناقصة

إلى الآن لا أنفك عن إسار سحر الكلمة: «ابني لا تعش في الدنيا مستأجراً كمن جاءها ليصطاف، عش دنياك كأنها بيت أبيك».. جملة حشد منها ناظم حكمت أعجوبة من عيار ثقيل حتى صارت في أضعف الإيمان المفتاح للباب السري والدخول بثقة في صنعة الحياة، وانشغالاتها، ليس من باب ضيق بالطبع، وإنما من دهليز وعي الأشياء وإشراقاتها.

هنا خلقت أدوات إنتاج جديدة، مشرقة، ومشرّفة، ولغة عالية ولائقة بمفردات العيش والنهوض بها، كبديل متفائل ديناميكي، متغير، متجاوز، متصالح، وليس رجراجاً إلا للتحايل على السواد وما يتبعه من انحسار الضوء.
نحن نتمثل هذا الرجل (التركي)، ابن كل العالم، وأبا كل العالم.. سنعرف (الميكانيزم) السر في توضع الطاقة، المتفجر، في الشخص الذي هو نتاج مواقف ونضالات، وعذابات. فمن أين تسللت المقولة المصغرة للعالم الممتد كارثة، إلى بيت صغير (بيت الأبوة) المفترض، مهما كبرنا نجدنا أصغر منه، ومهما ابتعدنا، تصغر نفوسنا، ويكبر هو، فلا نملك إلا أن نكتب عنه، وفي رأس الوصية، نتمنى أن ندفن قريباً منه. ما نحن معنيون به أكثر، بمعنى يمكن توليد فعل البقاء من خلاله، فعل المقاومة، الفعل المنافي للمجانية، وفعل فك (شيفرة) العمل من أجل القضايا الكبرى، من نافذة الدقائق المهملة التي ينظر إليها على أنها مملة، وغير حرية بالمتابعة، ومن زاوية التفاصيل الصغيرات، ومن بوابة السرور كما من بوابة الألم والمواجع. هكذا.. تصبح الصورة أوضح، والمعنى أكثر دهاءً في استثمار ما يحدث، واستلاب الطريقة الكفيلة بفتح المغاليق وتجليها.
فما هي عطالة الحياة... وكيف تنشأ؟
البيت الذي يعنى بنا، البيت الذي نعنى به، توافقية فترة تجعلنا عرضة للحب، وللسؤال الذي يربطنا بأشيائنا المنسية في (السقيفة) أو بين الكتاب مثل الوردة، أو رسالة صفراء من إحداهن.. هي أدوات حميمية لها لذة الجماع، إذا كانت من منتجات اللذة ولها رغبة الكشف، وقوة الموت، وفداحة المعنى حين لا يفسر اتجاهنا نحو الغامض حديثاً، لغة أخرى، فهم متأخر، وعطالة أخرى. المفسّر، الواضح، لا يحرك، لا يهز، لنتصور الشجرة، إذ لا ريح، من غير تلك الحركة، سنقول الشجرة ناقصة، وفيما تعبر، نقول: مكان ناقص، كالمكان الذي لا تشغله امرأة، عاقر «لا يعوّل عليه» استفادة من الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي.
بالتأكيد، عندما نسهب في الحديث عن عطالة الحياة، فهذا يعني توقف ملكات كثيرة، يضيق علينا فقدها الكبير، فلا نقوَ إلا أن نكون معيدين لما هو منتج، وتصبح عطالة الحياة الذهنية المرهونة بالنفس، والمساحات المحتلة بها أشبه بالعطالة عن العمل، في حين يمكن أن نستدرك شيئاً مهماً، ضمن توافقية تنشأ عن عطالة الحياة، لا عن عطالة العمل.
عاطل عن العمل لا يساوي عاطل عن الحياة.
عاطل عن الحياة يساوي عاطل عن العمل.
فلنحبها.. هي المكان الأول والأخير، وامرأة الهوى الأول.
ومرمى أهدافنا، وهدفنا جميعاً.