طارق عبدالواحد طارق عبدالواحد

الستيتية: الطير الذي غادر الأسطورة وسكن الشام نهائياً!..

يمكن لأي عابر سبيل، في أحياء دمشق، أن يلاحظ إلى ذلك الطير الرمادي الصغير الذي يشبه الحمام، والذي يدعوه الدمشقيون: الستيتية. ويمكن الانتباه إلى تلك العلاقة المحببة والأليفة التي تربط بين ذلك الطائر والشاميين.. إلى الحد الذي تبدو فيه طيور الستيتية قريبة من متناول اليد لدرجة القبض عليها، لكن أحداً لن يفعل ذلك!..

تلتقط طيور الستيتية أرزاقها من أيدي السكان المحليين، وتبني أعشاشها تحت سقوف شرفاتهم، أو على النتوءات الحجرية في جدران بيوتهم، أو في الكوى، من دون أن يعتريها الخوف على بيوضها، وفراخها فيما بعد.. التي سيكون عليها، بعد قليل، أن تتمرن على الحياة قريباً من البشر من دون حرص زائد، فكميات الخوف عندها في أدنى مستوياتها!!..
المنطق لم يستطع تفسير هذه العلاقة الغامضة بين هذه الطيور والدمشقيين، وهنا تتقدم الأسطورة لحل اللغز..
تقول الأسطورة: إن طيوراً برية كانت تشق السماء، وترحل من الشمال إلى الجنوب، ويُقال إن أصلها كان طائر العنقاء قاهر الصحارى والبحار. مرّ ذات يوم فوق دمشق، فاستهوته عشتار (ربة الجمال)، وقالت له بصوت سحابي أبيض: تعال، ها هنا لدي الطعام والماء والأمان والعابدون والسلام. تردد قليلاً، ولكنها لوحت له بإزار أبيض يخفي تحته شهوة حياة الكون كلها، فحطّ مدفوعاً بقوة لم يستطع لها دفعاً. حطّ.. لا عن رغبة بالبقاء، ولا بالعيش في كنف معابد الربة الجميلة. حطّ مستطلعاً فقط..وليرتاح من  تعب، ولكنه حين حطّ، وحين حطّ فقط، وشرب من ماء بحرة الربة وأكل بعد جوع طعامَ الربة المنثور في جنبات معابدها سقط ريشه القوي، ولانت روحه الشديدة، ونسي الأسفار والصحارى والغابات والأنهار، والتجأ مستسلماً إلى حمى الربة. وتكاثر العنقاء وتوالد، وماتت الربة، ولكنه بقي. واندثرت معابدها، ولكنه بقي. وقامت معابد لأربابٍ جدد، فاحتمى بأكنافها، وتغيرت أسماء الأرباب، وتغيرت أسماء العابدين، وتغيرت أسماء المعابد، ولكن أحداً لم ينسَ أبداً.. اسمه القديم مدلل الست عشتار: الستيتية!..