عن حصار الدراما السورية
منذ انطلاقة الدراما السورية شكل المنتج السوري حالة متميزة في إطار النتاج الفني العربي، ولذلك بدأ هذا المنتج بالرواج في الفضاء العربي وشكل عامل جذب للمشاهد في أي محطة فضائية تعرض عليها الأعمال السورية، وعدا ذلك بدأ الفنان و الفن السوري في إطار الدراما التلفزيونية، بمزاحمة من كانوا يعتبرون انفسهم الوكلاء الحصريين للفنون البصرية المتعلقة بالشاشات أي في مجالي التلفزيون السينما، وعلى ذلك بدأ الطلب على الفنانين السوريين من مخرجين وممثلين وفنيين للعمل في مصر التي كان لها الريادة فيما مضى على هذا الصعيد، وإذا أردنا أن نفرغ ما في جعبتنا فإن للفنان السوري رصيد عالمي من خلال مشاركة فنانين سوريين في أعمال لمخرجين عالميين ستذكرهم صفحات أجندة التاريخ السينمائي طويلاً ، إذا ليس بوسع أحد أن يقول إلا أن الدراما السورية حققت انتصاراً من نوع ما، وهذا ما تترجم بالمضايقات التي بدأ يتعرض لها الفنان السوري الذي أظهر بالشكل الذي يريد أن يزاحم الآخرين على لقمة عيشهم، وهناك من أطلق هذه المقولات جهراً وعلانية، وهناك أيضاً من مازال يتشدق بها لهذه اللحظة.
على كل هذه المقولات قابلة للنقض ببساطة منقطعة النظير، وليس بوسعنا أن نعتبر من يروج لهذه المقولات إلا عاجزاً عن خوض المنافسة الشريفة التي يجب أن تكون في الفن وبين الفنانين، مع أن اطلاق هذه المقولات شيء طبيعي إذا ما راقب الآخرون حجم النجاح الذي بدأت تحصده الدراما السورية، لكن الغير طبيعي أن تتحول هذه المقولات إلا قصف تمهيدي لعداء ممنهج سيظهر لاحقا.
هذا العام كانت الصيغة مختلفة تماماً، فالمطروح حصار شامل للدراما السورية، بمعنى هناك من وجّه لأصحاب المحطات الفضائية بعدم شراء الأعمال السورية، على أمل بخصاء أو إجهاض الحالة التي تشكلها الأعمال السورية. ومزاحمتها لإنتاج الخليجيين والمصريين. ولعل فكرة المنع بالأساس هي مايجب أن يناقش، لكن لندخل الموضوع من آخره ونتساءل: من أصدر قرار الحصار؟ هل هم الساسة العرب كما يشاع وأنهم أصدروا فتواهم وحرمانهم الكنسي كرد على تصريحات نائب الرئيس فاروق الشرع، فإذا كان الأمر كذلك فالموضوع ليس بحاجة إلى تعليق أبداً، لأنه يستدعي شتيمة لهذه الطريقة بالتفكير الذي لا يليق إلا بساسة من النخب العاشر. أما إذا كان الحصار المزمع هو رد على النصرالذي تحققه الدراما السورية من قبل المنتجين الذين استغلوا الحادثة السياسية، ليصدروا قرارً بائساً فالموضوع بحاجة إلى نقاش، بل ويتطلب وقفة عند هذا السلوك الذي لا يمكن أن يصدر عن مثقفين بمعنى الكلمة، بل هو بحاجة للتوضيح من قبل القائمين على الحياة الثقافية في تلك البلاد التي صدر عنها الحرمان الكنسي مع أنها بلاد إسلامية (بامتياز).
وبالتالي فإن فكرة المنع بحد ذاتها فهي فكرة سخيفة، أستذكر هنا قولة ألبرتو مانغويل في كتابه في غابة المرآة التي يقول فيها:" إني على استعداد أن أتظاهر في الشوارع دعماً لحق إبليس في إيصال كتابه إلى السوق"، أفلا يوجد في الدول (المانعة) من يتظاهر بمقال صحفي يشجب فيه ما حصل، ألا يوجد هناك من لم يعمي حقد السياسيين قلبه ليقف موقفاً واحداً للأمانة والتاريخ؟ ألا يوجد من هو على استعداد ليخسر ورقة بيضاء وقليلاً من الحبر ويعلن انه ضد ما حصل، فيربح نفسه بالتالي.
من جهة أخرى، ثمة أشياء تخصنا، نحن الذين أهملنا أن يكون لنا فضائياتنا التي تبث الدراما التي نصنعها، ولا ينقصنا على هذا الصعيد لا المال ولا الكفاءات، لنصير الأقوى بكل معنى الكلمة، لا لكي نفرض حصاراً على أحد، وإنما لنكسر حصاراً غبياً كهذا. يبقى أن نقول أن المشاهد العربي الذي يريد المتعة والفائدة، والمشاهد الذي يريد فناً حقيقياً، لن يستجيب لقرارات منع وحصار، يصدرها سياسيون حمقى في البلدان التي تمتلك الفضائيات.