محمد المطرود
الأصدقاء
يبدو أن معجزة ستحدث، وأرجع بفعل رجعي إلى طفولتي، إلى محمد الذي كنته طفلاً حروناً انتهازياً في مفاوضاته، فقد كنت أختار وقت اعتدال السفرة على الأرض، لآخذ زاوية في الغرفة، وامتنع عن الطعام (فترة مثالية) لممارستي انتهازيتي، وفرصة لهم، الأهل، ليقدموا جميع مغرياتهم حتى أعدل عن زعلي، المفاجئ، زعلي الذي بلا سبب ونكهة، ورغم معرفتهم بأن ذلك محاولة أنيقة مني لابتزازهم، تحولت هذه الروح النزقة في ذاك الوقت إلى روح مقاتلة الآن من أجل إضافة أصدقاء جدد إلى مفكرة الحب اليومية، بعض هؤلاء الأصدقاء، لا يعير زعلي أو موقفي منه أهمية تليق بي لمعرفتي جيداً، بأن الشحنة (الكره) سرعان ما تنتهي ولا يمكن إلا أن أعتذر وإن كان الصديق مخطئاً بحقي، ويمكن لمحبي سعدون جابر أن يتذكروا أغنية في هذا الشأن، ما يحدث الآن معي مخالف لطبيعتي المؤسسة على التسامح، كما ذكرت، ولم أعد مؤمناً كثيراً بمقولة السيد المسيح: «إذا ضربك أحدهم على خدك الأيسر فدر له خدك الأيمن»، وكأنني صرت أكثر إيماناً: إذا نظر أحدهم إليك نظرة سوء، اصفعه على وجهه، أو اطعنه بسكين صدئ.
ولكن لماذا؟!
ألأنني أراني في أحلامي طفلاً مشدوداً إلى جدار إسمنتي وأصدقائي (بعضهم) يصدمني بقوة قطار خلفه قاطرات تملأ المسافة بين محافظتين؟
ألأنني أنهض في كل مرة بعد الحلم، لأبصق عليه وأكذبه وأقول: أبطال هذا الحلم ليسوا أصدقائي وما من قطار، وما من جدار إسمنتي شُددتُ إليه؟
الآن وبعد أن كشّر بعض الأصدقاء عن حيوانات قلوبهم المتوحشة، أو ربما يريدون تقشير قلوبهم مني، مازلت الذي رأى القطار، ورأى الطفل الذي كنت مشدوداً إلى جدار الإسمنت وكذّب ما رأى.
أحاول في أوقات الفراغ _ والقراءة مملة وكتابة الشعر ما عادت تعبئ الحياة، وحتى الخمر كأننا نشربه دون أن نعطيه فرصة ليشعر بقيمته بأنه يقدم شيئاً مفيداً، في الحقيقة لم يعد المسكين يسكرنا ولهذا سوقه كاسد، وربما قريباً يحال إلى التقاعد.. في أوقات الفراغ المخيفة هذه، أحاول أن أنقي روحي من بعض أصدقائي، بأن ألصق فيهم تهماً كثيرة، أبسطها أنهم لم يوفروا الفرصة التي يقتلونني فيها، فقتلوني.
ملاحظة: كتب أحد الفلاسفة إلى صديق له رسالة طويلة وأنهاها كما أنهيت أنا بملاحظة صغيرة مفادها: اعذرني لم أجد الوقت الكافي لأكتب لك رسالة قصيرة، أما أنا فقد وجدت الوقت سانحاً لأكتب مقالة صغيرة عن أصدقائي.
