صفر بالسلوك مستو شوفير البسكليت
ليس مفاجئاً أن تستمر الجزيرة السورية في رفد الأغنية الكردية بالمزيد من المبدعين، ومن بين هؤلاء سيلفت انتباهك «عماد كاكلو» صاحب أغنية تتحدث عن طلاق بشيرو، وأخرى تتحدث عن شدة ولع مستو بالبسكليت، وهذه الأغنية الأخيرة حققت شهرة في الجزيرة، وبدأ الجميع بالبحث عن مستو لمعرفة سبب تعلقة بالبسكليت في زمن الأنترنيت كما يقول عمادِه كاكلو، ويتفنن كاكلو في وصف بسكليت مستو ومراقبته ونقل تفاصيل ما يفعله مع أصدقائه البسكليتجية الذين يتجمعون في حي الهلالية ويمارسون طقوساً عجيبة في القفز مع البسكليت والشقلبة والتشبيب كالفرس وغير ذلك من فنون البسكليت المنسية، كل ذلك بأسلوب ساخر وعلى إيقاع الرقصة الكورمانجية، وهو بهذا يعيدنا إلى عراقة الأغنية الساخرة الكردية والتي اشتهر بها الشاعر العظيم يوسف برازي،
ولا عجب من انتشار هذا النمط من الأغاني في الثقافة الكردية وذلك لأن الكردي كان قد حُكمَ عليه ألا يعبر عن نفسه بالكتابة أو المسرح أو السينما والرواية فعبر عن نفسه بالموسيقا والأغنية، فكانت الأغنية الكردية هي الشعر وهي القصة وهي المقالة السياسية والمقالة الساخرة وهي الرواية وهي التاريخ وهي المسرح وهي السينما، لقد حملت الأغنية الكردية على أكتافها تاريخ هذا الشعب الرقيق واللطيف والعنيد والمسالم والمتمسك بهويته وثقافته، حتى الأكراد العاديين كانوا يلجؤون إلى الغناء لسرد أمور تحدث أو حدثت معهم لإيصالها إلى أهاليهم كرسائل، فتسمع ذلك النشيج العالي والرسالة التي تريد الوصول وقد وصلت عبر تناقلها كأغنية من حنجرة إلى أخرى، لقد تحولت الأغنية إلى طقس يومي في أي بيت كردي، فلا يمكن أن تشاهد بيتاً يخلو من شخص يعزف أو يتعلم العزف على تلك الآلة العظيمة البزق أو الطنبور أو الساز، ولا يمكنك أن تشهد جلسة دون أن يكون الغناء طرفاً فيها سواء عبر آلة التسجيل أو لايف على الهواء مباشرة، إن الأكراد يكتبون تاريخهم غناءً، ويصنعون مسرحهم غناءً، ويقدمون أفلامهم السينمائية غناءً، ويكتبون رواياتهم غناءً وأشعارهم غناءً وقصصهم غناءً وسيرهم الشخصية غناءً بل ويتحادثون غناءً.
ويأتي عماد كاكلو ليبعث الروح في الأغنية الكردية الساخرة التي تتحدث دائماً عن أشخاص من الواقع لهم همومهم ومشاكلهم وعيوبهم وتناقضاتهم وإيجابياتهم وسلبياتهم وسط زحمة الشباب الموسيقيين الأكراد في سورية الذين يتجهون نحو الحداثة بمعظمهم ونحو تكوين شخصية جديدة للفنان الكردي، وينجح كاكلو لأنه يقف على تراث ضخم بقدمين ثابتتين وبآلة بزق وإيقاع لا يقبلا التوقف، ولن يضر لو رويت لكم هذه الحادثة التي جرت في جبال كردستان العراق بين كاتب غربي ومرافقه الكردي القاسي الذي توقف فجأة ليستمع إلى غناء راع كردي يقول فقط ( دا هي لولو دا هي لولو) بصوت شجي وحارق، فبكى المرافق، وعندما سأله الكاتب الغربي عن معنى الأغنية أجاب بأنها نداء لشخص ما فقط، فقال الكاتب الغربي بأن هذا المعنى لا يدفع المرء إلى البكاء، فأجاب المرافق ( آه لو تسمعها بالكردية)!!.