ربّما! مزايا الإفلاس
لنقل إن للإفلاس نعماً كثيرة لايراها المفلسون، ربما تكون محل حسد من قبل مناقضيهم. أولاً المفلس مدعو لاختصار أكبر عدد ممكن من وسائل النقل، ولعله لايركب إلا للمسافات البعيدة، أو لضيق الوقت، وفيما عدا ذلك هو المشّاء الذي يكتشف خريطة سرية للأمكنة خلال بحثه عن منافذ أسهل للحركة، بينما تقتصر علاقة الآخرين مع الشوارع الرئيسية.. وفي هذه الخلفية سيكتشف الوجوه الأخرى العديدة للمدينة، وحياتها التي لا تسير على خط واحد كما تكرّس في ذهن نقيضه.
سيتسكع، ويشاهد مالا يشاهده الآخرون، وربما سيقوده الإفلاس إلى العزلة، بما أن النقود وقود الحركة، سيعوض عطالته بأساليب أخرى لعل القراءة تكون في مقدمتها، وهي حل ناجع للكثير من البشر، بالأخص القراء منهم، ففي حالات إفلاسهم المدقعة ينسحبون داخلياً إلى غرفهم السرية، وينكبون عليها بنهم، وفي الوقت الذي تتحسن فيه الأحوال من جديد، يكونون قد جددوا خلاياهم المعرفية بجرعات فائقة للغاية، هذا إضافة إلى عيش عزلة تأملية حقيقية، لشد ما يحتاجها التفكير على الدوام، ولهذا الانسحاب نحو العزلة ميزة أخرى، لاتقل أهمية عن كل ما سبق، وهي متعة توطيد العلاقة مع الصمت. ولعل فائدة أخرى يحتمل أن تتحقق، في سياق العزلة والصمت اللذين تحققا معاً، وهي تقنين التدخين رغبة في توفير ثمنه، أو في التهرب من عبء لازم، ولهذا أثر عظيم على الصحة ، خاصة وأن تدخيننا بات يزداد اطراداً مع ازدياد همومنا التي تفاقمها أمور المعيشة، وهناك اختبار حقيقي لامهرب منه، سيخلصنا مستقبلاً من الادعاء، وهو تجريب الجوع قسرياً، وبمعاينة حسية لعضاته القاسية في المعدة التي تنعكس بدورها على الوعي.
رغم كل ذلك، وما قلناه وما لم، الإفلاس لايطاق.. لايطااااااق!!