مطبّات حديث البنزين سقوط المدعوم رقم (1)
لأنها حكومتنا.. التي نعرفها..
لم يكن أي منا يتوقع أن تفعل الحكومة فعلتها السرية في جنح الظلام وتبدأ بتنفيذ خطتها برفع الدعم عن المحروقات، وهي التي في عز الظهيرة، طرحت القضية على الرأي العام للنقاش.
فعلتها حقاَ، أولاً بالذي لا يحقق الدرجة القصوى من السخط ألا وهو البنزين، وفعلاً كانت ردة الفعل كما تشتهي بالضبط، شعبياً ورسمياً وإعلامياً، فالقرار الليلي أصاب الجميع بالاستهجان لا بالصدمة.
أما الاستهجان فجاء من كون هذه الحكومة وسواها لم تعودنا على الديمقراطية، ولم يكن لرأينا أثر لديها ذات يوم أو دور في قرار اتخذته في شأن أكثر أو أقل خطورة مما فعلت.
تعودنا في ظل كل الحكومات المتعاقبة أن لا وجود لنا في أقل حساباتها، في القرارات المخول اتخاذها من أقل مسؤوليها وموظفيها شأناً. أليس العمل بالتوقيت الشتوي أو الصيفي قراراً صغيراً وتافهاً قياساً لرفع الدعم عنا، نحن وسائر العراة الذين لاحول لنا ولا قوة إلا بما يسد الرمق؟
هل شاورتنا في عطلتنا الأسبوعية كأن تقول: أيتها الجماهير المتعبة، المناضلة، الخارجة من العمل، المتصببة عرقاً وفقراً، نحن الحكومة التي تحكمكم نرى أنكم تستحقون يوماً جديداً لترتاحوا كبقية شعوب الأرض من العناء، وتستجموا، وتستحموا، وتتفسحوا مثل خلق الله، فأي يوم تشاؤون لذلك؟
في تصدير البيض، في وقف تصديره، في إعلان شأن البطاطا، وتسميتها غذاءنا الوطني بامتياز، في جعل الفروج حلماً، وشراء اللحمة العواس بالأوقية، ونصف الأوقية، في طبخة بامياء، في مونتنا من المكدوس بلا جوز وبزيت الأونا، هل شاورتنا؟
في ركوبنا فوق بعضنا صباحاً ومساء، في انتظار النقل الداخلي، في ركوب الجرادين البيضاء على الجنب، في قفزنا من حافلة إلى أخرى للوصول عند الثامنة دون لهاث، في نقل كراج البرامكة إلى السومرية وإعادتنا عشرين عاماً إلى ذكرياتنا عن التدافش واللزلزة وقطع التذاكر في الصندوق البرتقالي.
لكل ما تقدم أستغرب أن يستغرب البعض هكذا قرار، ومع المستغربين توقيته الليلي، فهي لا تهابنا ولا تحسب لنا حساباً، ونحن كما هي متيقنة، لن نفعل شيئاً لا يسرها، وهي الساهرة على مصالحنا، التي تحارب احتكار لقمتنا من المحتكرين وضمائرهم الميتة، وتراقب الأسعار، وتحارب الغلاء، وتكتب دوريات تموينها الضبوط بحق المستغلين للقمة الشعب، وتتدخل مؤسساتها عند الأزمات لرفد السوق باللحوم الرخيصة، والخضار الطازجة، والفاكهة النضرة، وهي التي تصادر المازوت المهرب فنتدافع بجهلنا على أبواب الكازيات بكالوناتنا المتسخة.
حتى هذه اللحظة، تجاوزت الحكومة ردة الفعل كون المدعوم المذكور سابقاً، لا يمس الشريحة الكبرى إلا فيما يخص النقل، فمع إعلان الحكومة الليلي عن زيادة سعره، بدأت الخلافات بين المواطنين تنشب حول عداد التاكسي، فالسائق يرى الغبن في عدم تعديله سريعاً وفق التعرفة الجديدة، ويرى أنه المتضرر الأول من هذه الزيادة، أما المواطن الراكب فيرى أن لا ذنب له في ذلك وسيدفع وفق التسعيرة الحالية ريثما تعدل الحكومة عدادات من يدعون الضرر وهم من لا يلتزمون حتى تشغيل العداد، ويأخذون الزيادة سلفاً من المواطن، ويسيرون حسب أهوائهم ومصالحهم، فالمشكلة بين الحكومة وبين السائقين فلماذا يدفع المواطن ثمنها؟؟
بعض المتخوفين من القرار الحكومي يرون أنه مقدمة لرفع الدعم عن بقية المشتقات النفطية، وجل ما يخشونه ونحن على أبواب الشتاء، وبالرغم من التطمينات الحكومية، أن يرفع الدعم عن المازوت، فلا ثقة باقية بين المواطن وصاحب القرار الليلي، فجارتنا أم خليل ابتهلت إلى الله عندما أخبرتها ابنتها بالخبر، وقالت: «والمازوت»؟ أجابت ابنتها: «بس البنزين»، قالت أم خليل عندها باستكانة: الحمد لله. أما سائق التاكسي العمومي (أبو إيهاب) فانتفخ كديك ورقي وقال: طيب... يخبرونا قبل وقت، نعمل بلا عداد.
أنا بدوري أعتقد أن الحكومة ستفعلها.. رغم أن لا سيارة لدي، وأركب السرفيس، وأشتري المازوت بكالون العشرين المتسخ.