صفر بالسلوك فلسطين
مرت الأيام، ومرت السنون، وأنجبنا البنات والبنون، وبقيت القضية قضية، لم تمت، مات مفوهوها كلهم، ومات تجارها كلهم، ومات جلادوها أيضاً، لكن القضية لم تمت، وكيف تموت وهي قضية حق، وكما تعلمنا فإن الحق لا يموت، وكما تعلمنا فإن الحق الذي وراءه مطالب لا يموت، لكن من يطالب الآن، ومن يقول، ومن يحمل حق الفقراء في زمن اليورو والدولار والريال والدينار، ودينار دينارين ما يخالف إذا ما سمو الأمير ساوم على غلام من الغلمان، أو هيفاء من الهيفاوات، لكن عندما يتعلق الأمر بفلسطين، فالفلس يصبح في عين الأمير مليون، والقرش يصبح مليار، ومليار مليارين ما يخالف إذا ما كانت القصة قعدة رواق مع قدك الميّاس يا عمري، بل وأنك في زمن البترول المنهوب، ستلمح كيف توزع الآبار على المنتفعين والمنتفعات، وكيف بصاروخ متهالك يطق كفتيشة على حدود العدو الغاشم تشتري قلوب الدراويش من العرب الذين غصت اللقمة في حلوقهم منذ ستين عاماً.
ستون عاماً وأنتِ حبيبتي يا فلسطين، أقولها أنا الكردي الذي تعلمتُ في بيادر الجزيرة أن أحبك، وأن أدافع عنك مهما باعوا واشتروا فيك، ستون عاماً وأنت حبيبتي أنا العربي الفقير الذي لم يبخل بدمائه ساعة الحرب من أجلكِ، ولم يبخل بفكره ساعة الكلام، ولا أقول ساعة السلام، لأن الذين اغتصبوا الأرض، وأهانوا الإنسانية، لا يمكنهم أبداً أن يتعايشوا مع السلام، فهم دولة حرب، دولة كَرْب، دولة قامت على الزور، وبالزور، وعلى عينك يا تاجر، بل وبترتيبات من التاجر، لكن ما يعزي، أنني أرى أجيالاً جديدة قادمة، تحمل فكرها الجديد، وفقرها الجديد، وخطابها الجديد، لتبدأ من جديد في الدفاع عن حقها الذي لا يموت، حق إدوار سعيد وغسان كنفاني ومحمود درويش، حق الشاعر الذي ضحى بشعره من أجل فكرة، حق الكاتب الذي أحرق كتبه من أجل العودة، ولا مجال للتفكير في ترتيب اللاجئين، فاللاجئون جيلاً وراء جيل ما هم إلا للعودة إلى الوطن منتظرين، ما هم إلا أبناء فلسطين، فهل سيكون هناك خطاب جديد، هل سيكون هناك أمل لأن ينمو جيل جديد كما يتضح الآن يستطيع أن يصنع المعجزة، معجزة العودة، معجزة العودة إلى الحلم القديم، معجزة إحياء الحق الذي كاد على أيدي أمراء البترول يموت، كاد المتحدث باسمه أن يُنعت بالتخلف والتخشب، لكن هيهات، فلقد تعلمتُ أن الحق لا يموت، ستون عاماً وأنت حبيبتي أنا السوري الذي أحمل خريطتك على كتبي ودفاتري، ستون عاماً ونحن نعرف والكل يعرف أن فلسطين لسورية، وسورية لفلسطين. آمين.