اختراع «قاتل»!!
روز سليمان روز سليمان

اختراع «قاتل»!!

مَن منا لم يُبهره الدم.. هذا بحدّ ذاته قوننة مجانية للخداع.. تأهّبٌ لحظي للنفاق.. نخترع القويّ وننجذب إليه.. نُعدِّه لقتلنا ونرفض من يصارحنا: "إنكم مخدوعون"!!.. بكبسة زرٍّ واحدة نومئ للقاتل بالتحية ونغيب في استدراجه لجهلنا.. لا فرصة أشدّ غباء من منح "القاتل" تحية الوداع.. إنه بحدّ ذاته "قتل"!!.. لا فرصة أشدّ ضعفاً من منح "الضحية" حُجّة الغفران في محاكمة القاتل!!.. ولا فرصة أشدّ خداعاً من اختبار "المتفرّج" إعادة محاكمة "الضحية" من جديد.. متى ينفع "الحقّ" عندما نموت "ضحايا".. هل ينفع؟!!.. هل نخترع "قتلة" لنا من جديد؟!.

وكأن المحامي الكينيّ دولا إنديديس لم يدرك، في سعيه في آب الماضي لدى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي من أجل إعادة محاكمة المسيح ومن ثم نقض حكم الإعدام الذي صدر بحقه قبل نحو ألفي عام، ما سيواجهه؟!.. ببساطة لم يدرك إنديديس أن هذا بحدّ ذاته اختراع "القاتل" من جديد؛ واجهته حينها تحديات عديدة، إنه يستهدف حكومة روما القديمة وقادتها الدينيين أيام المسيح، الإمبراطور تيبريوس وملك روما هيرودس والحاكم بيلاطس البونطي وكذلك الحاخام اليهودي الأكبر والشيوخ اليهود وأساتذة القانون.. معتبراً أن رفع مثل هكذا قضية هو واجب "يحتم عليه إعادة الاحترام والكرامة والعدالة للمسيح الناصري"..

حكماً قد يحتاج "القاتل" إلى مفكّك سرّيّ مسبق يثبت بالدليل القاطع أن لا حجة ستأتي بعد ألفي عام وأكثر بإمكانها أن تجعل منه "قاتلاً من جديد" في إعادة محاكمة؛ وإلا لمَ كان على بيلاطس البونطي وهيرودوس الملك أن يجعلا من المسيح في صلبه "ضحية" دائمة!!.. إنه "القاتل" الدائم.. "ضحية" دائمة!!.. القتل انشغالٌ دائم بالبراءة.. خوفٌ منها وبداهة نفسيّة بحجّتها..

وها نحن وبعد ألفي عام وأكثر من هذه اللحظة نخجل من الوقت الطويل الذي عشناه ونخجل من الاعتراف أننا لم نكن على حق وبأننا عشنا مدة أطول مما نستحقّ.. ونقول لمن يرغب بإعادة محاكمتنا من جديد، نحن الذي متنا قبل ما يزيد على ألفي عام: ها نحن أشدّ انكساراً لمن يرغب باختراع "قتلة" لنا من جديد!!.. وحتى اللحظة الأخيرة هذه نعترف: من قتلنا يحب الحياة إلا إنه وقبل ألفي عام وأكثر من الآن لم يكن يدرك أن ثمّة "قتلة" هو من اخترعهم من جديد!!..

لو لمْ يكن "ما كان" ولو لمْ يكن "ما يحدث" لما كنّا سندرك إلّا بعد ألفي عام.. هل كنا سندرك أننا بكل ذاك "الدم" قبل أكثر من ألفي عام، سنكون قادرين فعلاً على أن  نخترع "القويّ" وننجذب إليه ونعيد اختراع "القاتل" ونعدّه لقتلنا؟!..  فهل سيبقى من أحد يمتلك الجرأة لإعادة محاكمتنا بعد ألفي عام أو أكثر..

 

المصدر: مجلة الأزمنة

آخر تعديل على الجمعة, 29 تشرين2/نوفمبر 2013 16:26