ربمــا..! عبقريات سياسيّة راهنة
غليظة بطبعها هي السّياسة، وأغلظ من ممارستها الكتابة فيها.. كتّاب الشّؤون السياسية أكثر من يدرك هذه الحقيقة، فكثيراً ما يسيرون على حدّ سكين المعنى، وما من مصيرٍ لفاقد هذه المهارة إلا السّقوط صريعاً بما كتبت يداه، فالمهمّة التي يتصدّى لها هذا الكاتب محفوفة بالخطر، حيث إن ملاحقته الحركة السياسيّة أشبه ما تكون بمراقبة طاولة لعب، السّهو فيها عن حركةغشّ مهما صَغرتْ تعني تبريره لها..
الآن وأنتَ تجد كل سلبيّات الكتابة السياسيّة متراكمةً أمامك تدركُ أنك حيال كارثة لا تقل عن الكوارث السياسية نفسها، وإذا كانت الكوارث السياسية كفيلة بأن تزال بمشاريع رشيدة لاحقة، فإن الوعيّ المشوّه الذي نتحدّث عنه محالٌ له أن يتعافى بأقل من مشروع نهضوي شامل..
الآن.. أمام انفتاح الفضاء الافتراضيّ، واحتدام اللّحظة السياسيّة الرّاهنة، تجد الجميع يريدون الكتابة في السياسة (يشفع لهم أنه يقترفونها من باب تسجيل موقف).. لكنّ المشهد الذي يؤثثونه بائس للغاية، فعلى مواقع التواصل الاجتماعية، عموماً، لا تقرأ رأياً بمقدار ما تطالع تحالفاً شيطانياً للسوقية والجهل ينهض على كتابات متهالكة تعقّد الموقف وتزيد طين المعنى بلّة.فكل منها يريد الانتصار، من حساباته الخاصة، للوطن.. ومهما اختلفت الأسماء، في هذه الجهة أو تلك، الواضح أن كليهما يعلّق على الحدث فقط، أما الذي يصنعه فينأى بنفسه وعقله عن أي تعليق، معادلته؛ قوله هو فعله وحسب..!
وللتمثيل هذه الحادثة التي تتكرر كثيراً.. يقوم نكرة ما، يكتب ركاكاتٍ وأخطاء لا أكثر، بالتهجّم الأخلاقيّ والشخصيّ على شخصيّة ذات وزن ثقافي كبير صنعه جهدُ عمر في الكتابة في أعقد أسئلة وقضايا حياتنا.. فيصبح متسوّلاً وخسيساً، أو حتّى مثليّاً (فما من وازع)..
كل ذلك لأن هذا المثقف نشط في المجال العام ليقود أفكاره إلى حيّز التطبيق، وحين تتكرّر مثل هذه الهجومات التي لا تبقي ولا تذرُ لا يعود الالتباس متفاقماً بين الشخص ومشروعه، بل في المعنى الوطنيّ للثّقافة، الثقافة التي هي كل شيء في النهاية..!
ليكتب من يكتب، سنقول لهم الحق، لكن لا بد من تصدٍّ حقيقيّ لهذه (الخيلات)، وإلا (خَيَلَتْنا)..