حسن شتيوي حسن شتيوي

«الموت في لندن»: تراجيديا التشرد الفلسطيني

«إياك والموت الطبيعي»

• غسان كنفاني

الموت في لندن مجموعة قصصية للقاص الفلسطيني المقيم في النرويج مأمون أحمد مصطفى.

أتت مجموعته في عشر قصص، تحاكي حال الإنسان الفلسطيني الذي انتزع من وطنه وأرضه ليجد نفسه غريباً محروماً يعيش في مخيمات الشتات والبؤس، وإذا ما كتب له الخروج منها وصولاً إلى أوروبا مثلاً فهو يحمل   الشكوى ذاتها، لأن قضيته ليست عيشاً آنياً يمكن أن يذوب فيه مع الواقع المعاش. ذلك أن الإنسان بلا وطن وبلا أهل، وبلا ذاكرة يفقد إنسانيته، من هنا كان البعد، والاغتراب، والمرض، والموت في بلاد الاغتراب، يمثل تراجيديا فلسطينية خاصة في زمن ماتت فيه الضمائر وغاب فيه صوت الحق.

يجسد الموت عند القاص مأمون مصطفى لحظات هي من أشد لحظات الانتباه إلى جمالية الأشياء التي لم يرها سابقاً في تكوينها.. ولم تكن مشاهدة في مخيلته. حين راح يرسم هذا المشهد في حضرة الموت، ليكون شاهدة تؤرخ للمشهد القصصي الفلسطيني بأنماطه المتعددة في حياة ابن مخيم طول كرم.

الموت في لندن عنوان لقصة يهرب فيها الكاتب والقاص من لسعات الحب والألم والشقاء التي كانت أشد وطأً على روحه وأكثر سخطاً.أراد الهروب من هذا الألم وهذا السخط عبر البوح بما في نفسه قصصياً، لينتقم من هذا كله في ردة فعل مقاوم لكل امتهان في هذه الحياة.

ما كان صعباً أن تختار في القصص موتك. يعني أن تكون عبقرياً عظيماً لأنك قبلت فكرة الموت (حقيقة) رغم أن للموت صوراً مختلفة تبعد عنك فكرة الخوف من الموت الذي يوصل إلى خط النهاية عند الفلسطيني، كونه لا يعيش الحياة التي يريدها، ولكنه اختار القبر الذي يذهب إليه.

(في لحظة الموت) تصاب بالدهشة وعدم التصديق ص86، ذلك أن القاص قد شاهد حالات الموت بكل تفاصيلها في عهد الانتفاضة وبعدها. فيصورها في عالم المخيم لأن معالمه لا تنطبق على أي مكان آخر سوى المخيم أين ذهب.

المخيم عند القاص هو المكان الأوسع عند الفلسطيني فهو عالمه، لأن فكرة المخيم تصور عنده الوطن والآباء والماضي والحاضر، رغم إن الموت يحاصره في كل الزوايا ص100.

في المخيم مات أخي وجاري وصديقي وأبي، أسماء كثيرة مرت على ساحات المخيم التي تعج بالصور (البروشورات).

عندما تدخل المخيم تشعر من حيث لا تحتسب بحالة من الدفء رغم الموت الجاثم على صدره وكما يلتبسك القهر، وعندما تلامس جدرانه تشعر بالبرودة التي تخفي وراءها نبضات قلوب تعيش في المكان بأزقته الضيقة.

في قصصه يرسم القاص مأمون مصطفى سمات الشخصية وخصائصها فيحركها شخصيات حية تعيش أمام ناظري القارئ، لأنها تلامس الواقع حقيقة وليست خيالاً.

فصورة الفلسطيني في المخيم يرسمها الكاتب والقاص صورة مليئة بالبؤس الذي يحاكي حياة الإنسان، كما يصور التململ الذي يعيش في صدور أبناء المخيم، كما المخيم وهو المكان يرفض الواقع ويثور عليه.. فيخلق صوراً لأجيال جديدة تنشد وسيلة للخروج من هذا الواقع بكل ما فيه من حرمان وضنك عيش. ولا ينسى القاص أن يحدد علاقة الموت بالمخيم وعلاقة الموت بالآخر عندما يتلمس القلق في فخ المكان وعدم تقبل هذه الحياة القاسية.

جاءت نصوص هذه القصص لتحاكي كل الأشياء دون أن يكون هناك طغيان للمكان على الروح أو الجسد. زمن الطفولة والذكريات القديمة التي يظل الفلسطيني مشدوداً إليها ومسكوناً بها بغض النظر عن الزمن الآتي غير الواضح المعالم. إنه عالم مرتبط بالقص الفلسطيني في كتاب «الموت في لندن».