الثورة.. والإنسان
«وعاد إنساناً».. عنوان قصّة قصيرة للأديبة الدّمشقيّة (ألفة الإدلبي).. نستذكره الآن الآن لنسأل: ترى هل من السّهل أن نقوم بعملية تّدوير؟ تدوير بمعناه العملي بحيث نصل إلى الطّرف الثـاني من المعادلة:
بني آدم + (شويّة) كرامة = إنسان
وبما أن (شويّة) باتت قليلة في زمن الثورات، ولم تعد ترضي طموح المنتفضين، فيجب علينا أن نحذفها لتستوي المعادلة:
بني آدم + كرامة = إنسان..
وهنا قد دوّرنا أو نسّقنا موضوعياً مصطلح القلّة: (شويّة).. بكلّ بساطة لأنّ الكرامة لا تتجزّأ إمّا كاملة وإمّا فلا. والآن هل يمكننا تدوير (بني آدمي) إلى أبسط وأفضل صورة ممكنة، طبعاً هنا لا نبخس حقّه لأنّنا اعتبرناه شيئاً قابلاً للتّدوير، لأنّه أصلاً وضعه المستبدون المستغلون في خانة الأشياء يوم جعلوه أداة ووسيلة للوصول إلى ما هم عليه، جعلوه آلة المليارات الّتي تجرّ المليارات والانهيارات، يتمّ تزييتها من وقت لآخر بزيت (القناعة) وشحم (نيّالك يا مظلوم فلك الجنّة)، وقد تمّ استهلاك هذه الآلة بالكامل بحيث باءت معها جميع محاولات التزييت والتّشحيم بالفشل، ولأنّ (البني آدميين- الآلات) شعوب حديديّة وتخلق من رماد لو شاءت، (وهذه هي الميّزة الضّائعة في كتالوجاتهم) انتفض الطّائر المتصبّر في آلة الزّمن، ونفض غبار تعبه المزمن.. انتفض (ليدوّر) عجلة التّاريخ إلى الأمام ويضع الصّراع على سكّته الحقيقيّة، لينزع فتيل الثـّنائيّات المصطنعة: (معارضة- موالاة)، (طائفة ما– طائفة ما)، (دين ما- دين ما)، (اعتدال- شرّ).. كلّنا شعوب هذا الشّرق العظيم، كلّنا إنسان عائد، أو بالأحرى كان صوتي خافتاً تسمعه قرارة نفسي فبات العالم يسمعني ولو كان لا يريد.. بعد أن كان (وعاءً) يتلقّى إملاءات المأمورين بات نبعاً متدفقاً بآفاق جديدة...
ولئن قلنا في زمن الانكسارات بأنّ تقدّم الحركة الثـّوريّة سيأخذ وقتاً وجهداً، فإنّ ردّ الشّعوب جاء سريعاً وفاعلاً وحالة متقدّمة على أيّ تنظيم يقول بالثـّورة أو الإصلاح..
من يردّ الشّعب؟؟ فهو مصدر السّلطات ومآلها، هو سيّد الثـّروة والثـّورة معاً، وهما له ومنه، لذلك كانت (الاشتراكيّة هي الحل).. حل لا يستثني أحداً.. ولا يلغي أحداً..
والشّعب هو الحاكم والحكم، هذا ما هو أثبته، وهذا ما قضّ مضجع الولاة من تونس إلى مصر وليبيا والأردن والجزائر واليمن ولبنان...
ولم يعد أسلوب (نيرون) نافعاً مع وعي شعوب الشّرق العتيد، لم يعد يعني لهم أن يحترقوا ما دام (نيرون) سينتحر لا محالة، فقد باتت النّار مطهرة لما فسد وتلوّث، فتح بابها (بو عزيزي).. باب لن يغلق.. باب عبور من العبوديّة إلى الانعتاق، وهكذا تكتمل المعادلة الإنسانيّة الثـّوريّة.