الثقافة: سلوك لا برستيج!!
أعداد قليلةٌ بقيت في صالة مسرح نقابات العمال بعيد افتتاح البرنامج الثقافي السنوي لـ«سنا العين»، فحال انتهاء مراسم الافتتاح وتبادل التهاني والخطابات والتكريمات، وتسجيل اللقاءات في مختلف وسائل الإعلام، لم يعد مهماً لدى البعض البقاء لحضور العرض المسرحي المقرر تقديمه بعيد حفل الافتتاح، والذي يعد جوهر هذه التظاهرة وهدفها الأسمى.
العرض الجدير بالحضور هو «المنفردة» لفرقة «خريف» التي تضم نوار بلبل ورامز أسود، وأكاد أجزم أنه لولا تناغم هذين الرجلين، وتراكم مخزونهما لما كان بإمكانهما النهوض بالعرض، أو حتى تقديمه بصورة لائقة، ضمن الأجواء السائدة في المسرح، إذ لم توفر بعض الشخصيات «VIP» متعة الظهور الإعلامي حتى آخر لحظة، حيث تابعوا لقاءاتهم الصحفية وأحاديثهم رغم أن الإضاءة أطفئت، وبدأت مؤثرات العمل تصدح معلنةً بدء العرض، لم يدرك هؤلاء – على ما يبدو- أن ثمة ممثلاً يقف حبيس الأنفاس داخل الكواليس مستعداً للظهور على الخشبة، وأن لحظة بدء العرض هي لحظة حاسمة بالنسبة إليه، وأنه بحاجة إلى هدوء وتركيز والقليل من الاحترام من جمهور الصالة، ولولا وجود قلة من الفنانين الذين قدموا جهداً وبذلوا عرقاً على الخشبة، لقلت بأن أحداً منهم لم يعرف يوماً ما معنى أو قيمة حضور عرض مسرحي.
منظمو الحفل لم يُنبّهوا مثلاً للتأكد من إغلاق الموبايلات، كما لم يعبؤوا للكاميرات التلفزيونية التي تصدر إضاءة، أفسدت المشهد الأول بأكمله (والذي كان يحتاج إلى إظلام تام)، ليضطر رامز أسود «الممثل» إلى الخروج من جلد «مهنا» وهي الشخصية التي يجسدها، وإصدار أمر من الخشبة لأحد المصورين بإطفاء إضاءة الكاميرا!..
رغم ذلك استطاع الممثلان تجاوز ما حدث، متكئين على «تكنيك» عالي المستوى، وانسجام واضح بينهما، وسرعة بديهة وقدرة على تدارك مشاكل الإضاءة وتأخر المؤثرات الصوتية وموسيقى العمل... أنقذ الممثلان العرض الأول للمنفردة المستمر لغاية الثاني عشر من الشهر الجاري، والذي سبق أن قدم منذ أكثر من عام على خشبة مسرح الحمراء، ونال العديد من الجوائز منها: جائزة أفضل عرض، وجائزة أفضل ممثل لنوار بلبل في مهرجان ليفربول الدولي للمسرح بكندا، وقدم أيضاً في سويسرا في مهرجان الأسبوع الشرقي، وفي نيويورك مهرجان فرجيد نيورك للمحترفين.
مبادرة شركتي «سنا» و«العين» الثالثة لإطلاق برنامج ثقافي سنوي.. لفتة طيبة وهامة نتمنى لها الاستمرار، لكن علينا أن نلفت النظر بأن الثقافة سلوك بالدرجة الأولى، وليست مجرد شعارات أو «برستيج»، فلنكن حريصين على تكريس سلوك ثقافي يليق بتظاهرة ثقافية فتية نريد لها أن تنمو بصورة صحيَة ولائقة.