قاموس قيد التداول
منذ عقد على الأقل، بشّرت بعض النصوص الروائية العربية بالشخصية الهامشية، ومنحتها موقع الراوي.
شخصية بلا تاريخ لكنها تصنع تاريخها بجرأة، في محاولة لاقتحام المتن، وتأكيد حضورها، فليس لديها ما تخسره في الأصل، لذلك راحت تنبش بما يشبه الاعترافات تاريخها المنسي والمغيّب، عن أمكنة مهملة، وعشوائيات في الضواحي، وعلاقات حسيّة ملتبسة، وحبل غسيل طويل لنشر الغسيل الوسخ، ليس من باب الفضيحة، بل للفت الانتباه إلى حياة أهملتها الرواية طويلاً بذرائع جمالية في المقام الأول، ولكن من قال أن الكتابة الخشنة فائضة عن حاجة الروائي والقارئ معاً؟ منذ سنة نشرت خادمة آسيوية مذكراتها، فأحدثت ضجة كبرى في لغة شكسبير، لجهة هتك اللغة الراقية وفضح نمط عيش لا إنساني على الإطلاق. وكان كتاب «تاكسي.. حواديت المشاوير» للكاتب المصري خالد الخميسي من أكثر الكتب رواجاً، إذ قدّم صورة بانورامية للشارع المصري قبل الثورة، أبطالها سائقو تاكسي يواجهون ظروفاً قاسية في ملامسة الحياة الإنسانية، كما يعبّرون بعمق عن الحياة الحقيقة المزرية التي يعيشونها قسراً. لا شك أن هذه النماذج الروائية التي تحصّنت ببطل هامشي، كانت تتطلع إلى بناء سردي مختلف، ينهض على رائحة تهبّ من القاع، وأصداء ما يحدث في الشوارع الخلفية. هذا البطل نجده اليوم وقد تقدّم خطوة إضافية في الإعلان عن حضوره بصوت أعلى، فهو من يهتف من أجل التغيير، وهو من يحتل الشاشات، وهو من يكتب الشعارات، فقد وجد نفسه فجأة في الواجهة، سواء في الشارع، أم في الفضاء الافتراضي، فراح يؤكد قاموساً مختلفاً، ومفردات جديدة، ونبرة مشاكسة، تبدو، كما لو أنها تصفية حساب مع حقبة طويلة من التغييب والإهمال، طالته حتى العظم، وها هو ينفض حراشف اللامبالاه عن جسده، في تمارين متتالية تعيد الاستقامة إلى عموده الفقري، بعد زمن طويل من الانحناء والصمت والخوف. يلفت المفكر والروائي الإيطالي إمبرتو إيكو إلى ما يسميه «جيل الكائنات الفضائية»، إذ يقول: «أصبح هؤلاء الشباب يعيشون جلّ حياتهم في العالم الافتراضي، والكتابة بالأصبع السبابة بدلاً من الكتابة باليد كلها».
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.