معركة تشيلي
«معركة تشيلي» المطولة التسجيلية للمخرج «باتريسيوغوسمان» ثلاثية تحمل الأسماء(ثورة البرجوازية، الانقلاب، قوة الشعب).لقد تحول هذا العمل الملحمي إلى أيقونة سينمائية عن قصة تشيلي وبطولة شعبها أوائل السبعينيات، ودخل تاريخ السينما التسجيلية بوصفه تكثيفاً حياً لنضال الشعب التشيلي، وتحية حارة لقادة نضاله الوطني، تلك الكوكبة من الرموز اللاتينية والأممية الذين قضوا بنيران ديكتاتورية العسكر الانقلابية، الخدم الأمناء لمصالح الإمبريالية الأمريكية والأداة بيد استخباراتها القذرة.
يبدأ الجزء الأول بفوز سلفادور اللندي في انتخابات عام 1970، حيث يطلق الرئيس المنتخب برنامجاً اقتصادياً اجتماعياً سياسياً شاملاً، مستنداً إلى حركة جماهيرية وعمالية واسعة، ومستعيناً بقوى وأحزاب ما سمي ائتلاف «الوحدة الشعبية» التي كان الحزب الشيوعي التشيلي مكوناً أساسياً وفاعلاً فيها، وسرعان ما يقع الصدام مع قوى البرجوازية ذيل الإمبريالية الأمريكية ووكيلها في نهب مقدرات الشعب، وتنظم أحزاب البرجوازية الرجعية، منذ اليوم الأول، إضرابات ممولة أمريكياً مناهضة للاتحادات العمالية الوطنية،بينما تعمل الشركات الكبرى على خنق الاقتصاد واصطناع الأزمات المعيشية.
تفوز الأحزاب المؤيدة الليندي في الانتخابات النيابية التي جرت في آذار عام 1973 بنسبة 43% رغم كل حملات الافتراء والتزوير التي مارستها قوى وأحزاب البرجوازية المدعومة أمريكياً بالمال والإعلام والخبراء. استوعبت هذه القوى نتائج الدرس الانتخابي سريعاً، وفهمت أن الوسائل السياسية لن تنفع في مواجهة الليندي ومنذ تلك الحظة تحولت خطتها باتجاه الانقلاب العسكري مستفيدة من علاقات الاستخبارات الأمريكية ببعض قادة الجيش.
يعرض الجزء الثاني (الانقلاب) كيف تحولت الفترة بين انتخابات آذار عام 1973حتى شهر أيلول من العام نفسه إلى مواجهة وصراع مفتوح مع مرتزقة البرجوازية وأحزابها، وكانت معركة شرسة في الشوارع والمصانع والأرياف، واحتدام المواجهات في المحاكم وبين طلبة الجامعات حتى البرلمان والصحافة. وباءت جهود الليندي في الوصول إلى توافق سياسي ينقذ البلاد من حالة التآكل بالفشل إلى أن وصلت الأزمة إلى ذروتها. وتقصف قوات الجنرال بينوشيه في الحادي عشر من أيلول، القصر الرئاسي ويسقط الليندي مضرجاً بدمائه بعد أن رفض مغادرة البلاد، ووجه خطاباً مؤثراً لشعبه عبر الإذاعة الوطنية قبل سقوطها.
أما في الجزء الثالث (قوة الشعب) فتسود مرحلة مظلمة في رجعيتها، بعد الانقلاب، وتسعى أحزاب البرجوازية المحتمية بالديكتاتورية العسكرية إلى إلغاء مكاسب العمال والفلاحين، واستعادة الاتفاقات الاقتصادية والسياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية. بينما تستعيد الحركة الشعبية أنفاسها ببطء، وتغير تكتيكها بعد أن اغتيل أوسجن معظم قادتها من الأحزاب اليسارية والاتحادات النقابية الوطنية.
وفي هذه المرحلة تولد ظواهر اجتماعية وسياسية جديدة فتتحرك الشرائح الاجتماعية التي أيدت الليندي سابقاً، بشكل عفوي في البداية، وتشكل روابط صناعية ولجان فلاحية. ثم لا تلبث أن تنظم نفسها لاحقاً لتؤسس جمعيات تجارة داخلية على طريقة الكومونات بهدف الخلاص من الفوضى والوقوف في وجه الأزمة الوطنية. وأثناء تغير الخارطة السياسية، تبدأ مرحلة مختلفة تماما من حياة الشعب التشيلي، تنشأ فيها نواتات أحزاب وتجمعات يسارية جديدة.
بقي أن نشير أن ثلاثية معركة تشيلي عرضت في كثير من البلدان ونالت أجزاؤها الكثير من الجوائز. وقد استغرق إنجازها بالشكل الكامل ثمانية أعوام. كان المخرج «باتريسيوغوسمان» مع طاقمه يعملون في خضم الصراع المرير وفي قلب الأزمة التي لونت تاريخ التشيلي بالبطولة والدم، بينما أنجز المونتاج في المركز الكوبي للسينما بعد أن هرب المخرج غوسمان من تشيلي ومعه المواد المصورة، وقد فُقِد مصور الفيلم «هورهي سيلفا» في تشيلي.