نحو غاياتنا القصوى.. دون دماء!
تغيبت معظم الأصوات الثقافية عن الحدث الكبير الذي تشهده البلاد، فحتى اللحظة لم يعبر الكثير من المثقفين السوريين عن آرائهم، إلا باستثناءات قليلة.
هؤلاء «الاستثناءات» منهم من يتتبع الحدث ويحاول نقل ما يراه كشاهد عيان أو كمعلّق.. وكلمات بعض هذه الشريحة على الـ«فيس بوك» تصبح مانشيتات عريضة في كل الصفحات، عبارات تؤيد الحراك الجاري دون تحديد المطالب والشعارات التي يجب أن ترفع في هذه المرحلة. والبعض الآخر يظهر كل قدرته لتمجيد الآخر/النقيض والهتاف له بكل ذلك الذل الذي يجب على المثقف الابتعاد عنه.
أكثر ما كتب في المواقع الالكترونية جاء ليكرس بطولة كاتبها كمستهدف بسبب شجاعته النادرة.
يحق لنا هنا طرح السؤال التالي:
لماذا تغيب أصوات المثقفين الكبار عن الحدث؟ هل يعتمدون على أرصدتهم الأدبية لتشفع لهم من سقوط مدوّ؟ هل الصمت فضيلة أيضاً؟؟ هل لغاية اللحظة لم تتبلور الأحداث في أذهانهم؟؟ هل هم بانتظار الكفة الراجحة؟؟
وبالمقابل برزت أصوات لمثقفين لم يسمع بهم أحد. أصوات تحلم بالبطولة، محاولة ركوب الموجة، بعض هذه الأصوات حقق مطالبه، وأصبح بطلاً وطنياً، وساعد العالم الافتراضي هؤلاء لتكريس بطولاتهم المطلقة خلال فترة قياسية، عبر الاعتقال لأيام، وأحياناً لساعات. طبعاً نحن ضد الاعتقال لكل معتقلي الرأي وللمتظاهرين السلميين، ولكن ضد أن يركب الموجة من يريد اسماً لامعاً بيومين، وبطولة مزيفة، على حساب الآخرين. مواكب شهداء تزف في طول البلاد وعرضها بصمت لمطلب الحرية، لاءات كثيرة للفساد وللطائفية وللقمع والاستبداد، تمر دون ضجيج إعلامي لأن ليس لها اسم صحفي مبتدئ أو قصيدة شعرية لم يسمع بها أحد، أو منبري إعلامي رسمي. هذا الشباب المندفع لم يصنع إلا بطولة جماعية برهنت بشكل قطعي على ديمقراطية الروح والفعل..
من يقف مواجهاً هم الكثير من الشباب المتظاهر أصحاب المطالب المحقة، الذين ضاقوا ذرعاً بكل أشكال الذل والعسف والاستبداد، ليخرجوا مطالبين بحقوقهم المشروعة.
هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون، ورغم ذلك سيمر التاريخ دون ذكر أسمائهم، هذا الشباب لن ينتظر صفحات على الـ«فيس بوك» تطالب بهم إذا اعتقلوا.. أسماؤهم لن تبرز إلا في حال توجهت رصاصات إلى قلوبهم، عندها فقط سنرى صورهم وأسماءهم وعليها خط أسود مائل. بينما لم تخرج مواقف تذكر من صفوف «المثقفين» بشأن ما تشهده البلاد، وحتى اللحظة لم يكتب بيان هام من المثقفين عن الأحداث الجارية في البلاد.
تركز دور المثقفين على الشتائم على صفحات الفيس بوك والتخوين والمهاترات والمشاحنات الالكترونية... بين مؤيد ومعارض، مما يدل على أن هذه النوعية من المثقفين لم تعد قادرة على استشراف المستقبل.
ثمة ثلة أخذت وسط المعمعة بنشر إما صفحة «عار»، أو صفحة «الخيانة العظمى» وبين الصفحتين يتصنف السوريون. إما في قائمة العار ضد الحراك، أو في قائمة الخيانة العظمى للمؤيدين له. لهؤلاء نقول إن الأمور لا تحسم بهذه الطريقة، فهي في الحالتين مجرد أحكام رعناء..
لم يقترب إلا القليلون من تحليل الحدث الجاري بكل ما فيه من ألم، ألم لدماء أبناء البلد التي أريقت، وألم من الدماء التي ستراق، محاولين وقف حمام الدم الذي يراه معظم السوريين، لم يقل إلا القليلون، لا إسقاط نظام حالياً، فنتائجه كارثية على البلاد، ولم يقل إلا القليلون على النظام تلبية مطالب المتظاهرين فوراً وإنقاذ البلاد من مزيد من الدم، وكف اليد الطويلة القاسبة عن المحتجين. دعونا نفكر بالوطن قليلاً.. بالوطن كل الوطن..
الوطن رغم جراحه يبقى كبيراً، يتحمل الجميع، يحب الجميع. والكل يحب هذا الوطن، لكن القليلين فقط، يفكرون بهذا الوطن، ومستقبل هذا الوطن وماذا ينتظر هذا الوطن؟. دعونا نفكر بمستقبل هذا الوطن، مراعين الواقع، وطبيعة البلد. دعونا نحم سورية ولو انتظرنا قليلاً، فإصرارنا على مطالبنا الاقتصادية – الاجتماعية والسياسية الجذرية والعميقة ستؤمن سريعاً غاياتنا القصوى.. ودون دماء.