«حكاية دموية عنيفة»!

«حكاية دموية عنيفة»!

 أنهى سعد الله ونوس مسرحية «الفيل يا ملك الزمان» بالنبوءة التالية:‬‬

الجميع :هذه حكاية.

ممثل 1: ونحن ممثلون.

ممثل 2: مثلناها لكم لكي نتعلم معكم عبرتها.

ممثل 3: هل عرفتم الآن لماذا توجد الفيلة؟

ممثلة 4: هل عرفتم الآن لماذا تتكاثر الفيلة؟.

ممثل 5: لكن حياتنا ليست إلا البداية.

ممثل 6: عندما تتكاثر الفيلة تبدأ حكاية أخرى.

 

الجميع: حكاية دموية عنيفة. وفي سهرة أخرى سنمثل جميعاً تلك الحكاية.

سعد الله ونوس ليس ككل المسرحيين، ولا ككل المثقفين لأنه من الطينة «المحكوم عليها بالأمل»، الطينة التي تتحدى الصعاب، ولا تنال منها الهزائم. 

 أنتج ونوس الكثير من الأعمال المسرحية. لكنه دخل في مرحلة استمرت طيلة سنوات الثمانينيات، توقف خلالها عن كتابة أي عمل مسرحي. يحاول الأديب عبد الرحمن منيف تفسير ما كان يمر به صديقه قائلاً: «إنها مرحلة جديرة بالتمعن، لما تمثله من نزاهة فكرية، ومحاسبة للنفس قبل محاسبة الآخر، والتردد أو الخوف في مخاطبة الآخر قبل مخاطبة النفس». جاءت مرحلة المرض بعد ذلك، أنتج خلالها ونوس ستة أعمال، كانت من أنضج ما تركه من أثر أدبي، ومن أهم العناوين التي اشتغلها في حياته المسرحية. 

كتب ونوس: منمنمات تاريخية (1994)، طقوس الإشارات والتحولات (1994)، أحلام شقية (1995)، يوم من زماننا (1995)، ملحمة السراب (1996) ثم الأيام المخمورة (1997). 

يلاحظ المتابع المهتم، القارئ المتمعن لأعمال ونوس، تلك الرغبة التي تتملكه في تفكيك بنية السلطة من خلال المسرح، واستفزاز الجمهور، وطرح الاسئلة المغيبة عن أسباب الهزائم الحقيقية، فيقوم باستحضار التاريخ وجعله مدخلاً لمعرفة ومساءلة الواقع المرير. استطاع ونوس توظيف ما نهله من التاريخ بصدق ونزاهة كما يؤكد عبد الرحمن منيف،  وكما توضح رؤية ونوس للمسرح ووظيفته، فالمسرح في الواقع من وجهة نظر ونوس: «أكثر من فن. إنه ظاهرة حضارية مركبة سيزداد العالم وحشة وقبحاً لو أضاعها أو افتقر إليها».

لا يمكن فصل مسرحيات ونوس عن السياق التاريخي الذي كتبت فيه،  تأتي مسرحية «الفيل يا ملك الزمان» تجسيداً لرغبة ونوس في تفكيك بنية السلطة وتعبيرات تغولها. السلطة التي يمثلها الفيل، وخلاصة القصة أن ملكاً كان يحب فيلاً فأطلق له العنان في المدينة. تغول الفيل، فأهلك الحرث والزرع، وقطع أرزاق الناس، دون أن يجرؤ أحد على إيقافه، لم يعد الناس يستطيعون التحمل فيقنعهم زكريا المتعلم المحرض بالذهاب إلى الملك للشكوى، لأنه حقهم كما علمهم. فيقررون الذهاب إلى قصر الملك للشكوى. قبل ذهابهم، يتفق زكريا مع الناس أن يبدأ هو الكلام عن الفيل ويقومون بإنهاء الشكوى أمام الملك بشكل موحد. «وهكذا يظل زكريا يدربهم على المقابلة والكلام حتى اعتقد أنهم حفظوا أدوارهم عند ذلك يطلب مقابلة الملك ويأذن لهم الحرس بالدخول فتتلامح على وجوههم علامات الخوف والخشوع وكلما تقدموا خطوة زادت رهبتهم وارتباكهم أمام ما يرونه من نوافير كالخيال ورخام كاللؤلؤ وجدران تلمع كالنهار وسجاد تغوص به الأقدام وحراس وجوههم كالفولاذ والملك يتألق كالشهاب والجميع خافضو الرؤوس إلى حد الانحناء ثم لا يجرؤون على النهوض

-الملك : ماذا تريد الرعية من ملكها

-زكريا : الفيل يا ملك الزمان

-الملك : وما خبر الفيل

-زكريا : الفيل يا ملك الزمان

-الملك : كاد صبري ينفد تكلم ما خطب الفيل

-زكريا متلفتا حول الناس فاذا هم صم بكم لا ينطقون رهبة ورعباً وكان عليه أن ينقذ رأسه من القطع فتدارك نفسه قائلا:

الفيل بحاجة لفيلة تخفف وحدته وتنجب عشرات بل مئات الفيلة

-الملك (مقهقهاً) : كنت أقول دائماً أني محظوظ برعيتي».

 

ينهي ونوس مسرحيته برؤيا. رؤيا تنبئ بحياة أفضل للشعوب عندما تريد وتدافع عما تريده. أما زكريا فقد حاول إيقاظ القدرة على الكلام في هؤلاء القوم ولكن الخوف الذي يسكنهم أسقطهم عند أول اختبار. سقطوا في اختبار الدفاع عن أنفسهم بالكلام. لم يشأ سعد الله ونوس إنهاء المسرحية عند هذا السقوط الشعبي في الاختبار الأول، لأنه يبشرنا بأن تكاثر الفيلة بداية حكاية أخرى. «حكاية دموية عنيفة». تكاثر الفيلة يحمل في صلبه أسباب النهاية الحتمية لها: نهاية دموية. .