«نوروز».. ولادة متجددة!
يصادف 21 من آذار كل عام عيد النوروز «اليوم الجديد» الذي يحتفل به عدد من شعوب الشرق ويرمز إلى قدوم فصل الربيع وانبعاث الطبيعة. الربيع هو فصل الخصب وتجدّد الحياة في ثقافات عدد من الشعوب ويمثل رأس السنة الجديدة عند كثير منها، وفي سورية كانت تجري الاحتفالات بهذا العيد في عدة مناطق كالجزيرة والرقة وحلب ودمشق واللاذقية ودير الزور.
يغلب على مظاهر الاحتفال بالمناسبة «أهازيج الفرق والدّبكات»، حيث ينظّم مهرجان غنائي شعبي في كل مكان تتخلّله مقاطع شعرية وفنية ومسرحية، ويتوجّه الناس لمعانقة الطبيعة ويقيمون حلقات رقص تتشابك فيها الأيدي. وتعدّ لهذه المناسبة وجبات طعام تقليدية وغير ذلك.
يحمل الاحتفال معانٍ عدة فقد أصبح النوروز من سمات الإنسان الكردي الذي حمل معه العيد إلى كامل مناطق تواجده في سورية، مضيفاً إلى العيد بعداً وطنياً سورياً، يتجلى ذلك بالحضور السوري الملحوظ في الاحتفال لمشاركة المحتفلين بمعاني العيد. مضيفين على العيد وجهه الوطني السوري، رغم غياب وسائل الإعلام عن تغطية عيد شعبي مثل النوروز على الأقل بصفته جزء من التراث الوطني السوري.
تتوجه «قاسيون» بالتهنئة إلى الكرد السوريين، وعموم الشعب السوري وشعوب الشرق كلها، بالتهاني بمناسبة عيد نوروز، عيد الربيع، عيد الكفاح ضد الظلم والاضطهاد.
ولتكن ذكرى «نوروز» هذا العام مناسبة، لمزيد من النضال من أجل الحل السياسي للأزمة، وإنهاء الكارثة الإنسانية، والتغيير الجذري الشامل ومنع أشكال التمييز كلها على أساس قومي، ومن أجل الحفاظ على وحدة البلاد أرضاً وشعباً.
تناول الأدب العربي مناسبة «النوروز»، حيث قام الشعراء والأدباء بذكر النوروز وأوصافه في أشعارهم وتفنـّنوا في الرسائل والكتب والقصائد التي کانوا ينشدونها ويقولونها في مناسبات الاحتفال بهذه المناسبة.
في النثر العربي
كانت تنشد المئات من القصائد الشعرية الرائعة التي يتغنّى فيها أصحابها بجمال الطبيعة وما يواكبها من عطاء، كما تجلّى ذلك في الأعداد الهائلة من المقطوعات النثرية، حتى أصبحت تشكل باباً مستقلاً من أبواب الأدب، بحيث يمكن أن يكون موضوعاً خصباً لدراسة الدارسين والباحثين يطرحون فيه نظراتهم وتحليلاتهم. ينفذون من خلاله إلى أعماق المجتمع ليكشفوا طبيعة أفراده ونوع الحياة الاجتماعية والأسس التي يرتكز عليها بناء تلك المجتمعات.
وهناك أقوال كثیرة متنوعة في النصوص التاریخیة والأدبیة التي تناولت هذه المناسبة حيث ذكر الأدباء والمؤرخون عمّا كان یجري في هذا العید من المراسم وأنواع الهدایا التي كانت تتبادل، والألبسة التي كانت تلبس، والحلي التي تستعمل فیه، ومنهم البیروني والنویري والجاحظ والقلقشندي والمسعودي والثعالبي والمقریزي وغيرهم.
فقد كتب المقریزي: «ما رأیت قط أجمل من أیام النوروز والمهرجان. من الأيام التي كانوا یسخون فیها بأموالهم... ولا یبقی صغیر ولاكبیر إلا خرج إلی البركة متنزهاً»
وكتب الحسن بن وهب إلى المتوكل في يوم نيروز يقول: «أسعدك الله، يا أمير المؤمنين، ، وأبهجك بكل عيد، وقرب لك التمتع بالمهرجان والنيروز، بدوام بهجة أيلول و تموز..».
في الشعر العربي
عرف العرب النوروز قبل الاسلام؛ فقد عرفته الثقافة العربية من باب التواصل والجوار الحضاري وهذا يتضح في فترة ما قبل الاسلام عند شعوب بلاد الشام و الحجاز نتيجة التواصل، واستمر ذلك في مرحلة لاحقة ، فمثلاً كان الحجاج بن يوسف الثقفي من أهم المحتفين بهذا العيد فقد شوهدت مراسيمه في بلاطه في واسط، بالإضافة إلى الكثير من الأشعار التي تأثـّرت بالنوروز، وقد ذكرت دواوین الشعراء ومصادر الأدب الكثير من النماذج الشعرية والشعراء الذين كتبوا عنه ووصفوه في أشعارهم، أمثال البحتري، المتنبي، ابن الرومي، أبو تمام، ابن المعتز وغيرهم.
اقترن اسم النوروز بالربيع في التاريخ عند الشعوب التي تحتفل به في ابدعات الشعراء العرب.. يؤكد ابن الرومي، أهمية العيد ويعتبره فألاً حسناً ويقرن النوروز بالربيع وبالورد والجمال والفرح والأنس فيقول:« عيد يطابقُ أول الأسبوع/ وقعت به الأقدار خير وقوع».
ويقول في مكان آخر: «فاسعد بنيروزكَ المسعودِ طالعُهُ/ يا ابنَ الأكارم في خَفض ونعماءِ/ واعط لنفسك فيه قسـط راحتها/ إن العلا ذات أثقـال وأعبـاءِ»
ويعتقد أبو تمام أن النوروز يمكن له أن یشفي الناس فيشير في أشعاره إلى ذلك قائلاً: «سیقت إلی الخلق فی النیروز عافیة/ بها شفاهم جدید الدهر من خلقه».
سجَّلت كتب التاريخ والأدب هذه الأعياد بصورة دقيقة مبيّنة سُنَنها وعادات أقوامها وما فيها من طقوس. وصوّروها على أنّها رمز للخير والمحبة والوفاق والحوار، لقد جاء في دیوان أبي نواس النوروز كمعنى أو كمرادف للمهرجان فيقول:« لبابُ تكبري فوق الجواري/ فإن أباك أعتبه الزمان/ متى أجمع أبا نصر ومصراً/ مما للدهر بينهما مكان/ فتى يوماه لي فطر وأضحى/ونيروز يعد ومهرجان».
ثم يرمي نظرته علی وصف النوروز قائلاً: «یباكرنا النوروز في غلس الدجی/ بنور علی الأغصان كالأنجم الزهر»
وحي الطبيعة!
استوحى شعراء العرب جمال الطبيعة، وكلفوا بها، لأنها تشكّل أرضاً سكبوا فيها وحي مواهبهم فهذا البحتري يرسم النيروز على أنــّه دعوة للجميع على الاعتراف بانطلاق الربيع ووجوب الاحتفال به:
«أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا
من الحسن حتى كاد ان يتكلما
وقد نبه النوروز في غسق الدجى
أوائل ورد كن بالأمس نُوّما
يفتقها برد الندى، فكأنه
ينبت حديثاً كان قبل مُكتما
ومن شجر رد الربيع بشاشة
وكان قذى للعين، إذا كان محرماً
أحل، فأبدى نسيم الريح، حتى حسبته
يجئ بأنفاس الأحبة نُعما»
ويذكر ابن المعتز في أشعاره ابتهاجه في النوروز وما يعانيه فيه:
كیفَ ابتهاجك بالنّـوروزِ یا أمَلي
فـَكُلّ ما فیه یحكِـیني وأحكِیــِه
فـتارة كلهیبِ النـّارفي كبـــــــــدي
وماؤُه كَـتـَوالــي عـَـبـــــرَتـــي
ويـُظهر المتنبّي مشاعره في قصيدة یمدح فيها أبا الفضل محمد بن العمید وزیر ركن الدولة البویهي ویهنـّأه بعید النوروز، ویبیّن النوروز علی أنـّه خیر صلة بین اللغتین الفارسیــــّة العربیّة، ویعلن مشاركته بهذا العید السعید فیقول:
«جَــــاءَ نَـيــرُوزُنَــا وَأنـــــتَ مُـــــرَادُهْ
وَوَرَتْ بـــالـــــــــــــذي أرَادَ زِنـــــــــــــادُهْ
نحنُ فـي أرْضِ فـارِسٍ فـي سُـرُورٍ
ذا الصّـبَـاحُ الـــذي نـــرَى مـيــلادُهْ
مَـا لَبِسْـنَـا فـيـهِ الأكالـيـلَ حـتـى
لَـبـِـسَـتــهَــا تِـــلاعُــــهُ وَوِهَـــــــادُهْ»
إن الكتابة عن عيد النوروز من قبل الشعراء العرب، دلالة أخرى على التلاقح الثقافي، بين ثقافات شعوب المنطقة منذ القدم، ودلالة على الانتماء إلى فضاء ثقافي واحد، ويحق للمرء أن يستنتج في هذا المقام، إن القبول بالتنوع الثقافي هي من خصائص هذه الشعوب على عكس ما يشيعه كل من يعتاش على الانعزال القومي، من هنا وهناك.