سرفانتس والأدب والخطاب السياسي
يدرس المؤلف «أنطوني . ج كاسكاردي» مدى حضور السياسة في عمل سرفانتس الشهير، شارحاً كيف وجدت السياسة في الأدب، بمختلف أشكاله، لتكون سبيلًا للتعبير في أسبانيا خلال القرن السابع عشر. ويعيد ذلك الحضور بشكل خاص، إلى الرقابة التي كانت تمارسها السلطات العامة على العمل السياسي، بما في ذلك، على مختلف أشكال التعبير عن القضايا العامة.
ولا يتردد المؤلف في أن يصنّف سرفانتس، في عداد سلسلة من المفكرين السياسيين، مبيناً أنه أحد مؤسسي النظرية السياسية الحديثة، التي تجد جذورها البعيدة لدى أفلاطون، عندما رسم أسس «الجمهورية الفاضلة».
ويحدد المؤلف أن «سرفانتس» كان من أوائل دعاة الحرية باعتبارها قيمة من أسمى القيم في الحياة. وهذا ما يبدو من خلال جملة قالها دون كيخوته لرفيقه سانخو بانزا، في الرواية، وجاء فيها: «سانشو، إن الحرية هي إحدى أعظم الهبات التي أعطتها السماء لبني البشر. وليس هناك ما يعادلها، لا الكنوز التي تخبئها هذه الأرض بجوفها، ولا تلك المغمورة في أعماق البحار. والحرية، على غرار الشرف، يمكن للمرء، بل ينبغي عليه، أن يغامر بحياته من أجلها».
ويرى المؤلف في رواية «دون كيخوته»، عملًا ينتمي بامتياز، إلى العصور الوسطى، وخاصة إلى ما كانت تحمله من قيم الفروسية، ولكن أيضاً عملاً ينتمي إلى الحقبة الحديثة التي وجدت بدايات تأسيسها في القرن السابع عشر، إذ كان المؤلف قد نشرها بجزأين، صدر الأول في مدريد عام 1605، والثاني في عام 1615.
وفي مواجهة تلك الصرامة، بدا دون كيخوته، خارجاً على القانون، بمعنى ما. ذلك أنه كان يميل إلى قلب المعايير. وهكذا رأى في أماكن الإقامة التي كان ينزل فيها، نوعاً من القصور المسحورة، واعتبر الفتيات الفلاحات أميرات جميلات. وكذلك لم يتردد في اعتبار طواحين الهواء بمثابة عمالقة أرسلهم سحرة أشرار.
وحدد دون كيخوته هدفاً رئيسياً له في اجتياز أسبانيا، من أجل محاربة الشر والدفاع عن المضطهدين. وهكذا كان لا بد من توصيف الشرور التي تعاني منها البلاد، وتنفيذ مهمة محاربتها، الأمر الذي كان يفصح عن خطاب سياسي بامتياز.
إن التداخل كبير بين الأدب والسياسة، كما تقول المحصلة النهائية في الإجابة على السؤال الأوّلي، والذي طرحه المؤلف عن ما إذا كان للأدب دور في تشكّل الدول؟ والتأكيد على أن التداخل بين المشربين، كان كبيراً في كل الحالات. وأيضاً التأكيد على أنه يمكن لرواية «دون كيخوته» الشهيرة، أن تكون «نموذجاً بليغاً» لوجود روابط وثيقة بين الأدب والسياسة. وذلك أن لهما في نهاية المطاف موضوعاً واحداً واهتماماً واحداً: حياة البشر ومستقبلهم.