التعصّب لفكرة نهاية العالم
كثرت التحذيرات خلال السنوات الأخيرة من المخاطر المهلكة التي تهدد الأرض التي نعيش عليها. ويذهب بعض «أنصار البيئة» ممن يطلقون عليهم تسمية «الخضر» إلى القول إن: «الكوكب الأرضي يسير نحو نهايته».
إن مثل هذه المقولة التي تؤكد على أفق الكارثة يرد عليها المفكر الفرنسي باسكال بروكنر، في كتاب يحمل عنوان: «التعصّب لفكرة نهاية العالم»، مع عنوان فرعي: «إنقاذ الأرض ومعاقبة الإنسان». وهو يردّ في هذا العمل على أولئك الذين يفرطون في تبنّي الإيديولوجية البيئية، الإيكولوجية، التي تنتشر بقوة وتكاد تصبح «لا إنسانية»، والتي تدعو إلى دحر الإنسان، من أجل «خير الطبيعة».
إن التشخيص الذي يقدمه المؤلف، تتمثل ملامحه الأساسية في القول إن هناك نوعاً من «الرؤية الضيقة» لدى المتطرفين من المدافعين عن البيئة، ومثلما هي العادة عندما تخفّ حدة التهديدات السياسية والإيديولوجية، كما حدث بعد انهيار المعسكر الشيوعي، وما كان يحمله من تهديدات بالنسبة للمعسكر الرأسمالي، يجري اللجوء إلى «اختراع» تهديدات أخرى.
كما أن القول، وفي ما يشبه الاعتراف بالذنب، بأن هذه الأرض التي جرى نهبها وتلويثها على مدى قرون، دقّت اليوم ساعة تمردها. فبهذا المعنى يتم القول إننا دخلنا «أفق نهاية العالم». ومثل هذه المقولة ولّدت حالة من الخوف العميق الذي يمكن أن يولّد الاستسلام أمام جميع الأفكار المتزمتة، وبدلاً من تعبئة الطاقات من أجل مجابهتها، يسود الميل نحو «كبح» التعبئة المنشودة.
ولكن ماذا يمكن فعله أمام الكارثة المبرمجة؟ هذا ما يسأله المؤلف. ويجيب بأنه قد لا يمكن فعل الكثير، فإمّا أن «الوقت قد تأخر كثيراً»، أو أن «ما يمكن فعله هو أقل بكثير مما ينبغي». ويكتب المؤلف كي يشير إلى إحدى المفارقات في الأحكام الصارمة التي يصدرها المتطرفون في الدعوة لحماية البيئة، ما مفاده: «لقد أرادوا أن يقرعوا نواقيس الخطر لإثارة انتباهنا، ولكنهم لم ينجحوا سوى في نزع كل أسلحة المقاومة لدينا».
وتحت عنوان: «التقهقر المعاشي الكبير»، الذي يشكل القسم الثالث من الكتاب، يشرح المؤلف أن الغرب الذي يعيش «عقدة الذنب» حيال سلوكياته الاستهلاكية وتثقل عليه الحسرة، بعد ما اقترفه خلال فترة الاستعمار، يترك نفسه عرضة لحالة من التشاؤم حيال المستقبل. وهكذا ذهب باتجاه التخويف من هذا المستقبل، والتأكيد على «الكارثة الطبيعية القادمة». ولكنه نسي مقولة جان جاك روسو الشهيرة، القائلة: إن «حالة الطبيعة ليست سوى أحد اختراعات التقدم».
ويشرح باسكال بروكنر أن الرأسماليين المتراجعين أصبحوا يدعون إلى ضرورة الاهتمام بالذات، بعيداً عن تطلعات الآخرين «الباحثين عن اللحاق بالأثرياء». وعلى مثل هذه الخلفية شاعت دعوات في الغرب للاستهلاك «أقل» و«أفضل». وكذا للحد في الوقت نفسه، من البحث العلمي، ومن الحركة.
وذلك «كما لو أن العدو الحقيقي للتيار الداعي لحماية البيئة، هو الحركية»، حسب تعبير المؤلف. إن هذا كله يجري باسم «تفوق النوع على الكم»، في نوع من تكريس توجه جديد، يقول بضرورة «وضع نقاب الحزن الأسود على كل المباهج الإنسانية».
إن التخويف من الكارثة البيئية القادمة والتهديد بـ«نهاية العالم»، يضعه أنصار البيئة، كما يشرح المؤلف، تحت راية «محبّة الطبيعة»، ولكن لهذه المحبّة، وجهها الآخر الذي يحدده بـ«كره البشر». ويقول بروكنر صراحة: «إن الرغبة الحقيقية وراء مثل ذلك التوجه، ليس منبعها إنقاذ الطبيعة، لكن عقاب البشر».
ولا يتردد المؤلف، أيضاً، في إطلاق صفة «الظلامية الجديدة» التي لا يمكنها أن تتماشى مع ذهنية عصر التنوير، إذ جعلت من الفرد- الإنسان، محور اهتماماتها. وبهذا المعنى يبحث عن تكريس منهج في الفكر والممارسة، ويؤكد فيه على كل ما يتعلق بالإنسان وثرواته وبالحياة وطيباتها. وكذلك يؤكد فكرة «التقدم» التي يرى بها المحرك الأساسي من أجل «الإجابة على تحديات العالم القادم». وليس بواسطة الدعوة إلى «حركة تقهقر عامّة»، باسم حماية الطبيعة.
وأما سبل التقدم فيتم تحديدها بـ«زيادة البحث العلمي، وبتفجير جميع الطاقات الإبداعية الخلاّقة، وبقفزة لا سابق لها، على صعيد المنجزات التكنولوجية».
ويختتم المؤلف جملته الأخيرة في الكتاب: «إن البشرية لن تحرر إلا من أعلى».
■■